د.إبراهيم بن عبدالله المطرف
تُعَدُّ السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية، منذ وضعَ أسسَها الملكُ المؤسّسُ عبدالعزيز آل سعود، طيّبَ الله ثراه «تعبيراً» أميناً عن توجهات المملكة و»صورة» حقيقية للمملكة، إنساناً وتاريخاً، وموقعاً، و»ترجمة» موضوعية لما تتّسمُ به المملكةُ من خصائص متميزة.
كما تُعَدُّ «تجسيداً» صادقاً للشخصية السعودية، وتجلّيّاتها في كافة مجالات الأداء الروحي والسياسي والاقتصادي، على كافة الأصعدة، محلياً، خليجياً، عربياً، إقليمياً، وعالمياً، و»انعكاساً» لصورة المملكة، وأسلوبها في إدارة مواردها وقواها «الناعمة»، وجاذبيتها روحياً ودينياً، وتعبيراً عن تأثيرها الاقتصادي، ونفوذها السياسي.
ويكشفُ أداء القيادة السعودية في مجالات السياسة الخارجية، عن إدراك عميق لـ»حقائق» القوة السعودية، وإمساكه بمفاتيحها في مختلف تجليّاتها، من مركز المملكة الديني في العالم الإسلامي، إلى ثقلها الاقتصادي الإقليمي والدولي، باحتياطاتها النفطية الهائلة، الأمر الذي تجلّى في المحاور التي اعتمَدَتها في سياساتها الخارجية، وفي مقدمتها الاقتصاد، انطلاقا من الثقل الاقتصادي للمملكة، حيث نجد أن محور المساعدات الاقتصادية، يمثلُ إحدى دوائر الدبلوماسية السعودية الناجحة.
كذلك يمثلُ محور السياسة النفطية حجرَ الزاوية في علاقات المملكة الدولية، خاصة مع الدول الغربية والعالم الصناعي، حيث اتسمت السياسة النفطية السعودية، دائماً، بالوسطيّة وبالاعتدال في سياسة التسعير والإنتاج، واعتماد سياسة «توفيقية» في منظمة الأوبك، تحقق مصالح الدول المنتجة والمستهلكة معاً، وفي الأجل الطويل.
وتأتي الدائرة العربية من أهم هذه المحاور، ومن أهم أدوات الدبلوماسية السعودية ومجالاتها «الحيويّة»، وهي الدائرة التي تشمل دول الجوار في الجزيرة العربية، لتنتقل منها إلى محيط العالم العربي، ثم تأتي الدائرة الإسلامية، التي تعد أحد أهم محاور الدبلوماسية السعودية، متمثلة في التضامن الإسلامي، الذي قدمت المملكة من أجله دعمًا سياسياً واقتصادياً في المحافل الدولية التي تعنى بقضايا المسلمين، سواء كان ذلك في أفغانستان والبوسنة والشيشان وكشمير، وقضايا التحرر من الاحتلال والتخلص من الاستعمار الأجنبي، في إفريقيا وآسيا.
ولقد انتهَجَت المملكة سياسات متوازنة في مجالها «الخارجي» وحَرَصَت على أن تُتَرجمَ «قوتها» الشاملة في مختلف تعبيراتها، إلى مجالات السياسة الخارجية، وبدافع أمين على مصالح الإنسانية، ومن أجل خير الشعوب، وتعزيزاً للاستقرار والسلام والأمن الدولي.
بدأت علاقة المملكة بهيئة الأمم المتحدة عضواً مؤسساً للمنظمة الدولية، منذ توقيع ميثاق الأمم المتحدة في سان فرانسيسكو، في 26 يونيو 1945. ومنذ ذلك الوقت، والمملكة تؤكد في كل محفل وتجمع إقليمي ودولي، على ضرورة الالتزام بالمبادئ الدولية لتحقيق السلام العالمي، وهو التزام ينطلقُ من تعاليم الإسلام الحنيف والشريعة السمحة، وقيم المجتمع السعودي ومبادئه، وتجسيداً لموقف المملكة والتزامها بالشرعية الدولية، بوصفها إحدى الدول المُؤَسِّسة للمنظمة، والموقعة على ميثاقها، الذي أنشئت بموجبه هيئة الأمم المتحدة. ومن هنا، فإن المملكة تعتز بالتزامها الدائم بالمبادئ والأسس التي تضمنها الميثاق، وتسعى من خلال عمل دؤوب نحو وضع تلك المبادئ والأسس موضع التطبيق العملي.
ويمكننا أن نرصد، كما يمكنُ لأي مراقب أو متابع للشأن السعودي في توجهاته الدولية، حرص المملكة على دعم منظمة الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة، كثابت من ثوابت سياستها الخارجية، وفي إطار نظرة مسؤولة للأمم المتحدة، بوصفها تشكل «إطاراً» صالحاً للتعاون بين الأمم والشعوب، و»منبراً» مهماً للتخاطب والتفاهم، ووسيلة فاعلة لفض المنازعات وعلاج الأزمات.
لقد أبدَت المملكة دائماً اهتماماً خاصاً بالعمل الدولي، من خلال منظمات وهيئات إقليمية ودولية، وشجعت على إنشاء الكثير من المنظمات النوعية، وعزّزَت من أدائها دعماً للعلاقات الدولية، وتوسيعاً للمجال الحيوي لسياساتها الخارجية. كما كانت المملكة سباقة في المشاركة في تأسيس الكثير من المنظمات الإقليمية والدولية، ويأتي في مقدمتها منظمة عدم الانحياز، والجامعة العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، ومنظمة الدول المصدرة للبترول - الأوبك، والبنك الإسلامي للتنمية، ورابطة العالم الإسلامي، ومجلس التعاون لدول الخليج العربية، وكانت سباقة أيضاً إلى المشاركة في تأسيس «جميع» وكالات هيئة الأمم المتحدة، وصناديقها المتخصصة، كما قدمت الدعم المعنوي والمادي والسياسي لنشاطات هذه الوكالات والمنظمات، وأسهمت بشكل ملموس وشفاف في تحقيق لأهدافها.
ولم يقتصر اهتمام المملكة بمصالح الشعوب، وتثبيت دعائم الاستقرار الدولي، وترسيخ السلام والأمن الدوليين، على محور واحد من محاور السياسة والدبلوماسية السعودية، بل امتد هذا الاهتمام ليشمل كافة المجالات التي مكنت المملكة من «التأثير» في تغيير حياة الكثير من شعوب العالم إلى الأفضل.
وللحديث بقية.