عطية محمد عطية عقيلان
أبو فراس الحارث بن سعيد الحمداني شاعر اتصف بالشجاعة والقوة في الأدب وساحات المعارك أيضاً، كان مقداماً وله هيبة وزعامة القائد العسكري، وكان منافساً على بلاط ابن عمه سيف الدولة مع الكثير من الشعراء ومنهم المتنبي، امتاز بالأدب والقدرة على الوصف البليغ إضافة لشجاعته وإقدامه وبسالته في محاربة الروم، وقد ذكر عبدالملك الثعالبي في كتاب «يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر» بأنه وقع في الأسر مرة واحدة، واختلفوا في المدة، ما بين 4 وسبع سنوات، وعند أسره لم تنزع عنه ثيابه أسوة بمن معه إكراماً لعلو شأنه ومكانته. وينقل أن أغلب قصائده قالها وهو أسير وجمعها الثعالبي في ديوان شعر وأطلق عليه «الروميات»، وقد كانت لمحنة ومعاناة الأسر وفراق الوطن والأهل والأحبة أثر عليه، فتدفقت قصائده تحمل عتاب ولوم ووصف لحاله واشتياقه لوطنه وأهله ولم يغب في شعره برغم أسره أن يعتز بنفسه ويفتخر، وبكونه عصي الدمع في القصيدة الشهيرة «أراك عصي الدمع» والتي غنتها أم كلثوم، وفيها يعاتب ابن عمه سيف الدولة على تجاهله لرسائله وعدم بذل جهد لتحريره وفديته من الأسر، وتحمل هذه القصيدة الكثير من المعاني التي تبين شخصية وصفات الشاعر أبوفراس الحمداني من قوة الشخصية وزهو بالنفس وعدم انكسار مع رقة في المشاعر وجزالة في التعبير، قصيدة مليئة بالحكم والعبر، والتي امتاز بها عموماً في قصائده، بل يخيل عند سماعها وكأنها قصيدة غزل وعتاب لمحبوبته، ولكنها تتحدث عن حب الوطن والأهل والوفاء لقيادته، تحمل لوم وعتاب المحب لها، ومن أبياتها:
أَراكَ عَصِيَّ الدَمعِ شيمَتُكَ الصَبرُ
أَما لِلهَوى نَهيٌ عَلَيكَ وَلا أَمرُ
بَلى أَنا مُشتاقٌ وَعِندِيَ لَوعَةٌ
وَلَكِنَّ مِثلي لا يُـذاعُ لَهُ سِرُّ
إِذا اللَيلُ أَضواني بَسَطتُ يَدَ الهَوى
وَأَذلَلتُ دَمعاً مِن خَلائِقِهِ الكِبرُ
وفي هذه القصيدة أيضاً أبيات لمدى اعتزازه وثقته بنفسه وزهوه بإقدامه وشجاعته في أرض المعارك منها:
سَيَذْكُرُني قومي إذا جَدَّ جِدُّهُمْ
وفي اللّيلةِ الظَّلْماءِ يُفْتَقَدُ البَدْرُ
ونحن أناسٌ لا توسطَ بيننا
لنا الصدرُ دون العالمين أو القبر
وهو صاحب مقولات شهيرة وحكم شائعة متداولة منها:
الشِعرُ ديوانُ العَرَب
أَبَداً وَعُنوانُ الأَدَب
ومن مذهبي حب الديار لأهلها
وللناس فيما يعشقون مذاهب
وقد توفي -رحمه الله- وهو في ريعان شبابه عن عمر 36 عاماً ورثى نفسه بقصيدة حزينة موجهاً كلامه لابنته منها:
أبنيَّتي لا تحزني
كلُّ الأنامِ إلى ذهابِ
أبنيتي صبراً جميلاً للجليلِ من المصابِ
نوحي عليَّ بحسرةٍ
من خلفِ ستركِ والحجابِ
كان شاعراً وفارساً مقداماً، ونظم كل ألوان الشعر من الرثاء والغزل والوصف والحكمة، وعند قراءة سيرته ومآثره في قصائده، يحق له القول إنه عصي الدمع والبدر المفقود في الليلة الظلماء، وقد قال فيه الصاحب بن عباد بُدئ الشعر بملك، وخُتم بملك، ويعني امرؤ القيس وأبو فراس الحمداني، ووصفه الثعالبي قائلاً: «كان فرد دهره، وشمس عصره، أدباً وفضلاً، وكرماً ومجداً، وبلاغة وبراعة، وفروسية وشجاعة، وشعره مشهور سائر، بين الحسن والجودة والسهولة والجزالة.