د.محمد بن عبدالرحمن البشر
منذ آلاف السنين والإنسان أو الكيان، سواء كان قبيلة أو قرية أو مدينة أو دولة تحتفظ بشيء ما لاستثمارها في سنوات قادمة، ودول الشرق الأوسط القديم قبل أكثر من أربعة آلاف عام كانوا يحتفظون بجزء من القمح لاستخدامه بذوراً وكأنه استثمار لسنوات قادمة، ليولد ثروة، وفي قصة يوسف عليه السلام، وتفسيره لحلم فرعون، ونصحه له بالاحتفاظ بشيء من القمح للاستفادة منه في سنوات عجاف قادمة، إنما هو جزء من الادخار الاستثماري لنوائب الدهر القادمة للحفاظ على استمرار الحياة بنفس القوة، أو بأفضل حال في المستقبل.
وفي مناطق المملكة منذ مئات السنين كانوا يحتفظون ببعض القمح ليكون بذراً في سنوات قادمة، مثلها مثل معظم دول العالم وطالما، شاهد معظمنا مواقع تاريخية كانت تحتوي على مخازن بأشكال مختلفة لاستخدامها للتخزين والاستثمار المستقبلي، وكانت مصر فيما قبل الميلاد تقوم باستثمار القوى العاملة المحلية في بلدان خارج مصر مثل بلاد الشام لتوفر لها زيت الزيتون، والنبيذ، لجلبه إلى مصر عند الحاجة، كما أنها كانت أيضاً تجلب بعضاً من تلك المنتجات من اليونان، وعند نقص الإمداد من اليونان فإنها تجلب مما تحتاج من منتجات ما استثمرته في بلاد الشام لتغطيه الحاجة.
والصناديق الاستثمارية في الوقت الحالي أصبحت أداة اقتصادية لا غنى عنها، ومعظم الدول إن لم يكن كلها تملك صناديق استثمارية، ويختلف حجمها باختلاف القدرات المالية وكفاءة الإدارة وأسلوب الاستثمار وقطاعاته، وهناك دول تصل استثمارتها المليارات من الدولارات، وتتعدى الترليون، وأخرى بعدد من مئات الملايين، أو أقل من ذلك.
المملكة العربية السعودية حباها الله سبحانه وتعالى قدرة مالية، وأمنا واستقرارا عبر سنواتها الحديثة نسبياً، وهنا يجب التنويه أن الأمن أساس في انطلاق الدول وتقدمها في جميع المجالات بما في ذلك تضخم حجم الاستثمار في الصندوق وتوسعه.
لقد أخذ الصندوق السعودي في السنوات القريبة، وضع استراتيجيات طموحة ومتقدمة تتماشى مع رؤية عشرين ثلاثين بقيادة صاحب السمو الملكي ولي العهد- حفظه الله-، وأخذ الصندوق أولاً على عاتقه جلب الكفاءات العالية من الداخل والخارج، وتوظيفها والاستفادة من قدراتها بمراقبة ومتابعة دقيقة جداً من سمو رئيس مجلس إدارته، وكان توطين الوظائف وتوفير فرص توظيف للمواطنين من أولويات الصندوق، لهذا كان هناك استثمار عال في التدريب ورفع كفاءة العاملين للوصول إلى أقصى استفادة ممكن من الاستثمار في المجال البشري.
ولم يغفل الصندوق تنويع الاستثمار بين الداخل والخارج، والمساهمة في الشراكات المطروحة في السوق، أو بناء كيانات ضخمة جداً في الداخل في جميع المجالات لطرحها لاحقاً في السوق، وكان التنوع في الاستثمار الداخلي سمة من سمات الصندوق المميزة، محاولاً الاستفادة مما حبى الله هذه البلاد من ثروات طبيعية هائلة في ظل الاستقرار والأمن الذي تنعم به المملكة بحمد الله، سواء كان ذلك الاستثمار في مجال السياحة الساحلية والداخلية، أوالتصنيع والتعدين والبتروكيماويات، وحتى الصناعات الثقيلة، إضافة إلى البناء والتشييد، والقادم أكبر بإذن الله.
في الخارج تنوع الاستثمار بشكل لافت وأخذ طابعاً يتماشى في مجال التقنية، والطاقة والخدمات، وغيرها وأخذ أيضاً بمهارة عالية الاستثمار في تقنيات واعدة والمشاركة منذ البداية حتى يتم الحصول على أعلى قدر ممكن من الربح عند طرحها في الأسواق وربما بجلب ما يتمكن جلبه لفتح فروع لها في المملكة، والحقيقة أن المشاركة في شركات واعدة قبل الطرح خطوة ذكية نجحت فيها المملكة لحرصها على الاستفادة، مع أقل نسبة مخاطرة ممكنة.
مجال آخر وهو تنويع مواطن الاستثمار من الاستثمار وجلبه محلياً حتى يشمل معظم قارات العالم ومناطقه المختلفة ولاسيما من الدول المتقدمة.
إن هذه السياسة الطموحة جداً بقيادة قائد الاقتصاد في المملكة صاحب السمو الملكي ولي العهد ستصل إلى ما تم التخطيط له وأعلن عنه بشكل واضح، ومؤشرات ذلك النجاح بادية في الأفق.
وفق الله ولاة الأمر، وحفظ الله هذه البلاد من كل مكروه، وأدام علينا نعمة الأمن والاستقرار.