بعد أن أمدت نظرية «الأدب»، المناهج السياقية التاريخية، والاجتماعية، والنفسية، بتراكم معرفي، كان ولا بد أن تكون نظرية «الانعكاس» أيضا شكلاً من أشكال تطور النظرية المعرفية في مجال الآداب الإنسانية، التي نتخذ من منهجها، وفرضياتها، وما أنجزته دراساتها في الآداب العالمية، ما يمكننا من تجاوز انطباعات التلقي التي يشترك فيها كل من مر على قارعة الطريق، كما فسر لنا ذلك الجاحظ قبل عشرة قرون، التي أتصور أن مقولة الجاحظ تتداخل مع فلسفة العديد من النظريات الحديثة، كنظرية المجال العام، ونظرية الأشغال اللغوية، ونظرية التداخل الثقافي، ونظرية الفن للفن وغيرها.
ربما لأن المنهجية تتطلب صرامة علمية، لتحقيق إحدى اشتراطات النظرية فهماً، وتفسيراً، التي تمد الكاتب معرفياً في الجانبين النظري، والتطبيقي، لذلك كان الانفلات من الكتابة إلى حالة انعكاس للكتابة ذاتها، ظاهرة من ظواهر غياب (العمق/الرأسي)، في مقابل شيوع (الأفقي/ السطحي)، التي اتسعت فجوة مشاهدها، وتنامى شهودها القابعين على الرفوف، انعكاساً لهذه الظاهرة!
لذلك كانت نظرية الانعكاس، إحدى النظريات المفسرة لحالة التفاعل لأي مجتمع من المجتمعات مع آدابه، أياً كانت طبيعة التفاعل، واتجاهاته، لذا فقد قسم «جورج لوكاش»، المجتمع إلى بنيتين رئيسيتين: تحتية، وأخرى فوقية، لكل منهما أدوات إنتاج في المادي، وغير المادي، ليبني بذلك «نموذج» استقراء لحالة الانعكاس، لعمل أدبي أو حالة إبداعية نصية، لمنهجية قامت منطلقاتها على: الالتزام، اللغة، الصورة، الفن الأدبي، الجمالي النصي، جماليات التلقي، متغيرات البناء «المستقلة»، في مقابل متغيرات الانعكاس «التابعة»، ما بين (الواقع/الحرفي)، (الانعكاس/الفضاء)، ما بين ديناميكية التغير المستمر بين البنيتين الاجتماعيتين، ليضعنا هذا المنطلق المنهجي أمام حالة مع الكتابة، لا اللغة، وأمام حالة من حالات الانعكاس للصورة، لا الصورة عينها.
إذن: ما سبق من ومضات ما هي إلا انعكاس لفلسفة نظرية الانعكاس، التي تعيدنا إلى ما هو واقع الانعكاس الذي يمكن لنا من خلاله أن نقرأ به، ومن خلاله موجات الانعكاس الافتراضية عبر فضاءات الرقمنة ألا متناهية ظواهر إنتاج المحتوى، وما آلت إليه تبعاً لذلك بنياتنا المجتمعية، وما أصبحت تعنيه اللغة، والكتابة، والقارئ، والإنتاج، في صور شتى، ربما كان أبسط صورها، حالات استلاب الكتابة، وأشكال منح الانعكاس!
* أيمكن نعت حمار الحكيم «الافتراضي»، بالجهل «المركب»، إن اشترك في مسابقة للغِناء؟!
** **
- محمد المرزوقي