عرف عن موقع عكمة التاريخي بالعلا بأنه من أكبر المكتبات المفتوحة في السعودية التي تحتوي على الكتابات والنقوش الأثرية.
ويقع موقع «عكمة» الأثري في الشمال الغربي من محافظة العلا في منطقة المدينة المنورة، ويعود هذا الموقع إلى الحضارة اللحيانية التي شكلت في العصور الغابرة علامة فارقة في تاريخ إنجازات البشرية إلى جانب الحضارات الديدانية والمعينية والنبطية، وهذه الحضارات تعود لممالك عربية تسيدت المشهد الإنساني في تلك العصور، وفنيت لتبقى آثارها ضاربة في عمق المكان، وذاكرة الإنسان، بعد أن خلفت حضارات تشهد بقاياها بعلو كعبها في نواح متعددة.
ويعد موقع «عكمة» من أهم المواقع الأثرية، فموقع «عكمة» هو بمثابة مكتبة مفتوحة، وسجلاً أدبياً حافلاً قدم للباحثين تاريخ الأولين، لكثرة ما وجد فيه من نقوش ورسوم وكتابات لحيانية. والموقع هو عبارة عن واد ضيق ينحدر من جبل عكمة الذي يقع على بعد ثلاثة كيلومترات إلى الشمال الغربي من مدينة العُلا، ويستطيع الزائر أن يرى هذا الجبل من مسافة بعيدة، وهو ذو لون داكن، ويميل للون الأحمر، ويتميز بالارتفاع الشاهق، ويشكل لوحة طبيعية بديعة. ويضم الموقع العديد من الكتابات اللحيانية، وتعتبر النقوش اللحيانية المنتشرة على الواجهات الصخرية في موقع «عكمة» بمثابة المكتبة التي توثق تاريخ مملكة لحيان وحضارتها وتفاعلاتها المجتمعية وعلاقاتها الخارجية وتنظيماتها وقوانينها الداخلية، حيث كتب اللحيانيون نقوشهم في جبل عكمة القريب من موقع «الخريبة›› العريق والذي احتضن دولة لحيان وظل مسرحا لحضارتها حقبا من الزمن.
وقال الدكتور محمد خليص باحث ومهتم بالتراث: «لقد امتد نفوذ مملكة لحيان - التي حكمت معظم أنحاء شمال غرب الجزيرة العربية - من القرن السادس قبل الميلاد إلى القرن الثاني قبل الميلاد، وقد جاءت مملكة «لحيان» عقب دولة «دادان» التي بسطت سيادتها على المنطقة خلال القرن السابع قبل الميلاد، وامتد نفوذها إلى كثير من المواقع المجاورة، وقد تركت كل من الحضارتين الديدانية واللحيانية آثارهما النابضة بالعراقة والتنوع والثراء». ودلت الشواهد الأثرية على تجليات مختلفة لهذه الدولة، وجوانب من تاريخها العريق، وتعكس النقوش والكتابات في جبل «عكمة» الأوضاع الحياتية والإنسانية وكذلك الجوانب الاقتصادية والسياسية والدينية والاجتماعية للحيانيين، وتم تأريخ بعض النقوش اللحيانية في جبل «عكمة» بسنوات حكم عدد من ملوك مملكة لحيان. ونظراً لأهمية هذه الكتابات والنقوش الأثرية، فإن الكثيرين يعدون هذا المكان أكبر مكتبة توثيقية مفتوحة. وتشكل هذه النقوش وثيقة حية، وصفحة نابضة بالثراء التاريخي يستنطقها الباحثون والمختصون بالشأن الأثري الأركيولوجي، ويقرأون فيها دروس التاريخ والماضي التليد، ولا تزال مصدراً خصباً للدارسين الذين أناخوا مطاياهم بهذا المكان لاستنطاق صفحات من تاريخ الغابرين الحافل بالتميز والغرابة والجمال.
وتقع مدينة العلا التاريخية بين المدينة المنورة وتبوك وكانت العلا قديماً تسمى (ديدان) وهي أكبر وأهم المناطق الحضارية القديمة لوقوعها على الطريق الرئيسي للتجارة، حيث قامت العلا بدور الوسيط بين حضارات الهند وجنوب شبه الجزيرة العربية جنوباً وبين حضارات الشام ومصر والعراق شمالاً منذ القدم وحتى القرن الأول ق.م وألفت شمسها عندما سيطر الأنباط على شمال شبه الجزيرة العربية واتخذوا الحجر عاصمة ثانية لهم، ويوجد بها عدد من المقابر المنحوتة في الجبال نحناً هندسياً بارعاً إلى جانب عدد من النقوش الدادانية والمعينية واللحيانية والثمودية والنبطية والكوفية وآثار للعيون وبقايا القلاع والسدود، كما أن البلدة القديمة للعلا بنيت من أنقاض آثار ديدان ولحيان وتمثل البلدة نمطاً فريداً للمدينة الإسلامية.
وباتت (مدائن صالح) في العلا الموقع الأثري الأشهر في المملكة والمسجل في قائمة التراث العالمي التابع لليونسكو في شهر يوليو 2008 فهنا قامت واحدة من أعرق الحضارات في التاريخ.. وهنا بلاد المقابر والكهوف والرسوم الصخرية والمقابر ذات الواجهات المعمارية الضخمة التي صممت تصميماً هندسياً بديعاً والكهوف العميقة, وقد تضمنت العديد من النقوش والكتابات التي يدل جميعها على المستوى الحضاري الرفيع الذي بلغه سكان الحجر, وكونوا حضارة عظيمة في الفترة من العام الأول قبل الميلاد إلى العام 75م.