عبدالرحمن الحبيب
قبل أسابيع انطلقت حملة التطعيم ضد كورونا في العديد من الدول حيث تم تطعيم عشرات الملايين. ورغم أن النسبة لا تزال ضئيلة على المستوى العالمي إلا أن النقاش احتدم حول مدى حرية سفر الأشخاص الذين تم تطعيمهم، وما هي الإثباتات بذلك كشهادات الحصانة أو جوازات التطعيم.بعض البلدان المعتمدة على السياحة تتطلع إلى بدء تفعيل جواز السفر الصحي أو «جواز سفر لقاح كورونا»، كما تتلهف بعض شركات السياحة والطيران لذلك وترى فيه الحل الأمثل لضمان تجربة سفر آمنة في المستقبل؛ لكن يرى البعض أن في ذلك استعجال، لأنه لا يزال من غير الواضح مقدار الحماية التي توفرها اللقاحات ضد انتقال العدوى فمن المحتمل أن المطعمين لا يزالون قادرين على التقاط المرض ونقله، رغم أن اللقاحات ستقلل من انتقال العدوى بشكل كبير.
كما يشعر آخرون بالقلق أخلاقياً من أن يكون ذلك تمييزياً غير عادل ومثيراً للانقسام لا سيما أن التطعيم يقدم فئات (كبار السن) قبل فئات أخرى (الشباب) إضافة لأولئك الذين لا يمكن تطعيمهم لأسباب صحية، خاصة إذا كانت اللقاحات توفر فوائد، مثل حرية التنقل أو عمل أكثر أمانًا، لا يحصل عليها الآخرون. كما أن هناك قلة تزعم أن إنشاء جواز السفر هذا يلزم الأفراد بالتطعيم ضد كورونا، وبالتالي تقييد إضافي للحريات الفردية بالزامية التطعيم، مثلما عبرت مظاهرة الأسبوع الماضي في شوارع العاصمة الدنماركية كوبنهاغن احتجاجاً على إجراءات مكافحة فيروس كورونا التي اتخذتها الحكومة، بما فيها «جواز» كورونا الذي يتم التخطيط له.
بالمقابل ترى الأغلبية سلامة هذه الإجراءات بما فيها الجواز الصحي، ويلخصها آرثر كابلان، أستاذ أخلاق الطب الحيوي بجامعة نيويورك، بالقول إن جوازات سفر اللقاح أمر لا مفر منه، بل إنها مرغوبة أيضاً. فما هو مستقبل جواز السفر الصحي؟
يعرف كثير منا وربما طُلب من بعضنا «البطاقة الصفراء» وهي شهادة تطعيم دولية، تصدر من قبل منظمة الصحة العالمية، ومعترف بها دولياً وقد تكون مطلوبة لدخول دول محددة التي فيها زيادة المخاطر الصحية للمسافرين، ولا تزال العديد من البلدان تتطلب شهادة الحمى الصفراء كشرط مسبق لدخولها.
فكرة البطاقة الصفراء ليست جديدة بل تم إنشاؤها منذ ما يقرب من قرن كشهادة دولية لتسجيل التطعيمات ضد الكوليرا والحمى الصفراء والتيفود والجدري؛ ويجب ان تكون محفوظة في جواز سفر صاحبها، لأنه يمكن اعتبارها جواز سفر صحي. وقبل بضعة أسابيع أطلقت وزارة الصحة السعودية خدمة «الجواز الصحي» عبر تطبيق «توكلنا» لتسهل على المسافرين الذين حصلوا على الجرعات الكاملة من لقاح فايزر، من إنهاء إجراءات السفر أمام السلطات الصحية بالمطارات الأخرى حول العالم. وقد أطلقت منظمة «The Commons Project» مبادرة بالتعاون مع «المنتدى الاقتصادي العالمي» وكثير من شركات الطيران، ومئات المنظمات الصحية في أمريكا. وقامت المبادرة بتطوير تطبيق خاص يتيح للمستخدمين تحميل بياناتهم الصحية، مثل نتيجة اختبار «كورونا» وشهادة صحية تؤكد حصولهم على اللقاح؛ وتحوّل هذه المعلومات إلى تصريح يتخذ شكل رمز استجابة سريعة، يمكن إبرازه للسلطات عند نقاط المغادرة والوصول في المطارات.بعض الشركات، مثل السفن السياحية وشركات الطيران والمطاعم، ستتعطل تمامًا هذا العام بدون جوازات سفر التطعيم. لذا، اقترحت كانتاس، وهي شركة طيران أسترالية، إلزامية الركاب لإثبات تلقيحهم ضد كورونا قبل صعودهم على متن الرحلات الجوية. وحالياً تتطلع بعض شركات الطيران إلى اعتماد جوازات السفر الصحية التي من شأنها تسجيل الاختبارات أو التحصينات.
أما الحكومات فتختلف في مدى ترحيبها بالبطاقة الصفراء، فمثلاً وزير الصحة البريطاني قال إنه غير منجذب للفكرة، بينما رئيس وزراء اليونان، يرغب بإصدار شهادة سفر على مستوى الاتحاد الأوروبي، وقد يكون الدافع وراء اهتمامه هو اعتماد بلاده على السياحة. في أمريكا، طلب الرئيس بايدن تقييم جوازات سفر التطعيم. والآن هناك، في جميع أنحاء العالم، مجموعة متنوعة من الجهود الخاصة جارية لإنشاء نسخ رقمية للبطاقة الصفراء (مجلة الإيكونيميست).
لكن ما الذي سيحصل لمن لا يحمل البطاقة الصفراء؟ يبدو من غير المرجح أن ترفض الحكومات دخول الأشخاص الذين ليس لديهم شهادات حصانة تمامًا، لكن من المتوقع أن تفرض شروطًا إضافية، مثل اختبار فيروس كورونا السلبي الأخير، وحتى الحجر الصحي في فندق. لكن الشركات الخاصة، مثل شركات الطيران، تتمتع بحرية أكبر بكثير في فرض قيود على العملاء أو الموظفين، طالما أنها ليست تمييزية (مجلة الإيكونيميست).
يصعب تحمُّل عمليات الإغلاق المشددة إلى أمد غير محدد، وهي مكلفة للغاية من الناحية الاقتصادية في حين تعطي اللقاحات مقداراً كافياً من الأمان.. فإذا طالت مدة انشار وباء كورونا فمن المحتمل أن يصبح جواز السفر الصحي شرطاً مستقبلياً.. ويبدو أنه مهما كانت المخاوف والمحاذير بشأن الجواز الصحي فإن منافعه الواضحة أكبر كثيراً من مضاره غير الواضحة، وسيزداد الضغط للسماح لمن تلقوا اللقاح أن يستأنفوا حياتهم الطبيعية بما فيها السفر.. وقد بدأت بالفعل بعض البلدان المعتمدة على السياحة، مثل سيشيل التي فتح حدودها أمام الأشخاص الذين تلقوا لقاح كورونا.