د. محمد بن يحيى الفال
في خطابه الأول حول مرتكزات سياسة بلاده الخارجية الذي ألقاه في مبني وزارة الخارجية، أكد الرئيس الأمريكي جو بايدن استمرار دعم بلاده للمملكة في مواجهة التهديدات التي تتعرض لها وتأكيده على ضرورة إنهاء الأزمة اليمنية. لم تمر ساعات على الخطاب حتى صدر بيان رسمي من المملكة يثمن الموقف الأمريكي ويؤكد تطابق وجهات النظر السعودية والأمريكية في أهمية الحل السياسي للأزمة اليمنية. القراءة المتأنية لخطاب الرئيس الأمريكي حول العلاقة مع المملكة نرى جذورها متوافقة مع ما تم الاتفاق عليه في الحوار الإستراتيجي الذي جرى بين البلدين الصديقين في العاصمة الأمريكية واشنطن في الرابع عشر من شهر أكتوبر المنصرم ويصب بصورة واضحة ليس فيها لبس في مسار تعزيز العلاقات الإستراتيجية بين البلدين وبتفحص البيان الختامي الصادر عن الحوار الذي ترأسه وزيرا الخارجية في البلدين الصديقين، يتضح بجلاء بأننا أمام توجهما للتعاون المثمر والبناء لما يخدم مصالحهما المشتركة التي تعززت بلقاء زعيميهما الملك عبدالعزيز رحمه الله والرئيس الراحل فرانكلين ديلانو روزفلت على متن البارجة الحربية كوينسي في الرابع عشر من شهر فبراير 1945، اللقاء التاريخي الذي تم تأكيد أهميته في ديباجة البيان المشترك الختامي للحوار الاستراتيجي للعلاقات السعودية الأمريكية التي بالمناسبة يشهد الرابع عشر من شهر فبراير الجاري الذكري السادسة والسبعين للقاء التاريخي الذي جمع زعيمي البلدين.
ومع قراءة البيان المشترك الموقع من الجانبين والذي صدر عنهما بعد نهاية الحوار الإستراتيجي الهادف لتعزيز العلاقة المتجذرة بينهما نجد بأن البيان أشتمل على ثمانية محاور رئيسة يتضح بأنها صممت لتغطية كافة نواحي التعاون بين البلدين بما يخدم مصالحهما المشتركة ويصب كذلك في تعزيز الأمن والسلم الدوليين والمحاور وباختصار هي تعاونهما الدفاعي ضد التهديدات المشتركة، تعزيزهما للتعاون الاستخباراتي والأمني لمواجهة الجامعات الإرهابية والمتطرفة التي يقع على رأس هرمها الحرس الثوري الإيراني وتنظيما داعش والقاعدة وذلك لحماية مواطني البلدين وغيرهما من مواطني العالم، استمرار تعاونهما في تعزيز حماية البنية التحتية المفصلة في نص اتفاقية التعاون التقني الموقعة بينهما، تعزيزهما لأسواق الطاقة المرنة خصوصاً لعلاج الأضرار الاقتصادية الناجمة عن جائحة كورونا، تعزيزهما لروابطهما الاقتصادية الثنائية من أجل انتعاش اقتصادي، تعزيز تعاونهما مع الشركاء في مجالي صناعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، تعاونهما في استكشاف مجالات جديدة لاستخدامات الأمن السيبراني وخصوصاً في مجال حماية البنيات الحيوية والتأكيد على تعزيز تعاون البلدين في كل من المجالات الدبلوماسية والقنصلية والثقافية الذي يشمل توسيع المقار الدبلوماسية الأمريكية في المملكة.
هذه المحاور الثمانية للبيان المشترك السعودي الأمريكي في نهاية مباحثات البلدين لعلاقاتهما الإستراتيجية شكلت لتنفيذها وجعلها واقعاً ملموساً خمس مجموعات عمل تنفيذية هي مجموعة الشراكة الاستخبارية والأمنية، مجموعة تفعيل خطة التعاون الدفاعي، مجموعة المصالح الاقتصادية والطاقة، مجموعة تعزيز التعليم والتعاون الثقافي ومجموعة التعاون في الأمن السيبراني. بمثل هذا السيناريو المتميز لواقع العلاقات السعودية الأمريكية والممتدة لعقود من الزمن صمدت فيه أمام الكثير من الأزمات والاختلافات التي لا بد أن تحدث بين الشركاء والأصدقاء والتي كان أصوات العقل والحكمة والسياسة تسود فيها في نهاية المطاف وهو الأمر الذي يقودنا إلى تفهم المملكة لوجهة النظر الأمريكية فيما يخص الأزمة اليمنية بكون المملكة كانت السابقة في التحذير من خطورة الوضع الإنساني في اليمن الذي أعقب انقلاب عصابة الحوثي على الشرعية اليمنية، فالجميع يعلم بأن المملكة ودول التحالف التي تقوده حاولت بكل الوسائل الدبلوماسية منع نشوب الحرب بادئ القول وذلك من خلال رعايتها للجهود السياسية بين الأطراف اليمنية المتصارعة ونتج عن جهودها المضنية توقيع المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية لإنهاء الصراع في اليمن وباركت نتائج وثيقة الحوار اليمني الوطني الذي أقر كل تفاصيل الدولة اليمنية المتفق عليها بين كافة مكونات فسيفساء المجتمع اليمني وبعد كل هذه الجهود المضنية لنشر السلام في ربوع اليمن قامت عصابة الحوثي بانقلاب وحرب بالوكالة لصالح حكومة ولاية الفقيه الكهنوتية في طهران. ومع نشوب الحرب ولتفهم قيادة المملكة بأن عصابة الحوثي المدعومة بكافة أنواع الأسلحة من الملالي وبإثباتات هيئة الأمم المتحدة لم ولن تضع في حساباتها معاناة المدنيين من ويلات الحرب فأطلقت المملكة وفي سابقة تاريخية وتزامناً من بداية الحرب مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية وسهلت كافة الإجراءات المتعلقة بالإقامة والعمل لمئات الآلاف من الجالية اليمنية المقيمة في المملكة الذين يعتبرون أحد أهم مقومات الدعم لأهاليهم في الداخل اليمني وكثفت جهودها الدبلوماسية في كافة المحافل الدولية ومنها مجلس الأمن الدولي الذي أصدر قرارين أممين عام 2015 بشأن الحرب في اليمن هما القرار 2201 والقرار 2216 اللذان بتطبيقهما تنتهي المأساة في اليمن ولكن تخاذل المجتمع الدولي عن الالتزام بمسؤولياته جعل عصابالحوثي ومن خلفهم عرابيهم من ملالي طهران يضربون بكافة القرارات الدولية عرض الحائط. الاعتقاد بأن المملكة سوف تترك عصابة الحوثي الانقلابية تهدد أمنها بالصواريخ البالستية التي يزودها بها نظام الملالي هو خطأ فادح وغير مقبول البتة، وكانت المملكة قدر حذرت المجتمع الدولي من تمدد النفوذ الإيراني في المنطقة بعد توقيع الاتفاق النووي والتي أثبتت الأيام صدق تنبآتها وأضحت عصابة الحوثي بصواريخها البالستية الإيرانية تهدد مدن المملكة ومنشآتها النفطية الحيوية وطرق ومسارات الملاحة الدولية الناقلة للطاقة لاقتصاد العالم.
الحل لتجاوز الأزمة اليمنية وغيرها من أزمات المنطقة يكمن في التمسك بما صرح به الرئيس جو بايدن في مقابلة صحفية مؤخرا والتي يبدو بأنها أقضت مضاجع ملالي طهران حيث أكد فخامته بأن الحل لعودة الولايات المتحدة للاتفاق النووي مع إيران يكمن بضرورة مشاركة الدول الخليجية والمتضررة من تهديدات الملالي لأمن المنطقة. حديث الرئيس بايدن أفزع الملالي في طهران حتى أنهم وفي خطوة استباقية للهروب إلي الأمام صرحوا بأن حل الأزمة اليمنية هو في الرياض، وهو تصريح تنطلق عليه المقولة العربية الشهيرة «كلمة حق أريد بها باطل»، فالحل قطعاً سيكون في الرياض بكونها متضررة كما هو حال الشعب والقيادة اليمنية من انقلاب عصابة الحوثي، بيد أن التصريح الإيراني المثير للاستغراب مرده فقط محاولة التشويش على تصريح الرئيس بايدن حول ضرورة مشاركة أطراف أخرى في الاتفاق النووي مع إيران مما سينتج عنه سقوط بيادقهم في كل العواصم العربية التي ابتليت بتدخلاتهم التي لم ينتج عنها سوى الدمار والخراب.
حديث الرئيس بايدن عن اليمن في خطابه الأول عن سياسة بلاده الخارجية والذي ألقاه في مقر وزارة الخارجية الأمريكية في واشنطن والذي تطرق فيه للوضع الإنساني في اليمن وهو وضع حذرت من تداعياته المملكة منذ اللحظات الأولى للنزاع ويتوافق قوله بأهمية الحل السياسي للنزاع في اليمن الذي أكده الرئيس بايدن في خطابه مع ما تم تأكيده كذلك في البيان الختامي السعودي الأمريكي المشترك بعد مباحثات الحوار الإستراتيجي بين البلدين في شهر أكتوبر المنصرم. اتجاه العلاقات السعودية - الأمريكية نحو التفاهم والتوصل للحلول نرى بوادره في تفهم الرئيس بايدن لمعاناة المملكة مع الهجوم الذي تتعرض له من صواريخ الحوثيين والتي تشكل تهديداً لأمنها ونراه كذلك بتعيين السفير تيموثي ليندركنغ (Timothy Lenderking)، مبعوثاً خاصاً لليمن وهو الدبلوماسي المخضرم ذو المعرفة الكبيرة بالمملكة حيث عمل نائباً لرئيس البعثة الأمريكية في المملكة لمدة ثلاث سنوات بدءا من عام 2013. تطابق وتضامن كل من الموقف الأمريكي والسعودي حول حتمية تفاهمات تفاوض جديدة مع ملالي طهران بخصوص ملفها النووي فسيكون ذلك دق مسمار محوري في نعش تدخلات الملالي في شؤون دول المنطقة بأسرها بما في ذلك إنهاء معاناة أهلنا في اليمن الشقيق.