عبده الأسمري
الهوية.. ذلك الاسم الجامع للانتماء، والمجموع للنماء الذي يمنحنا التعريف، ويعطينا التوصيف في محطات الحياة.. به ننتمي للوطن، وفيه نعود للأصل، ومنه نسمو للرقي..
تأتي الهوية الوطنية كانتماء أمثل، ننهل منها الحقوق، ويستوجب منا الواجبات.. وكسعوديين نفاخر العالم ونباهي القارات بهويتنا المتجذرة في عمق الأصالة، والمنحدرة من متن التاريخ في وطن عامر باللحمة، غامر بالتلاحم.. نعيش فيه تحت ظلال الأمن والأمان، وننعم وسطه بظل العز والاعتزاز.. تحت راية التوحيد العظيم، وخلف لواء القيادة الرشيدة في منظومة تعكس ملاحم العطاء القيادي، ومطامح الوفاء الشعبي.. ووسط دروس نموذجية، تجعل «السعودية» المثال المستديم في مناهج الاقتداء..
تبقى هوية الإنسان بكل اتجاهاتها منذ ولادته، ثم نشأته، ثم معيشته حتى مماته، سيرة «حياتية» توازي تلك «الذاتية» التي نتباهى بها.. فلولا الأولى لما كتبت «الثانية».. فمنها يعود المخلوق إلى سيرته الأولى، وإلى تلك التفاصيل التي شكلت «الشخصية»، وتلك المعاني التي صنعت «الأمنية».
الهوية أن نعير «الأصول» الالتزام.. وأن لا نستعير «التغير» أو «التطور» لطمس ملامح «النشأة» وتبديد طموح «التنشئة»، فانتماؤنا لمحطات العمر ومنصات التربية ومنطلقات الأسرة هو «الرداء» الأصيل الذي نلبسه ويميزنا عن غيرنا، ويعيدنا إلى البدايات التي حددت لنا مسار «الثبات»، وأبقتنا في اختبار «الإثبات» أمام تبدلات وتحولات تميز «الأصيل» من «الساذج»..
نشوؤنا في قرى تتجلل برداء العفوية والبراءة والبساطة يجعلنا في امتحان عرفان لتلك العطايا الأولى.. وتمر محطات العمر لتبرهن «أصالتنا» في الانتماء لدوائر «الطبائع» التي ظلت «خلطة سرية» لإسقاط المتغيرات المؤدلجة التي تهدد نسيجنا الاجتماعي.. فبقينا وإن صفقت لنا «المنصات» وشهدت لنا «الأمسيات» عائدين لنعلن للملأ أننا بدأنا قرويين، تعلمنا من عمق «المصاعب»، وتجاوزنا الصعاب.. وولينا همتنا شطر «المدن» التي زادت من ارتباطنا بالأصل الأول، والمنطلق الأمثل، وجعلتنا نوازن بين طلائع «التحضر»، وبين طبائع «النشوء» وفجائع «السقوط»..
وفي المدن تعمقنا في تأصيل الهوية وارتباطها مع خطوط «الزمن» وحظوظ «الأماكن»؛ ليبقى العنوان أننا منتمون جميعًا إلى سلالات بشرية، بدأت من الأطراف، واستوطنت في المنتصف والجوانب، وكتبت ملاحمها من الصحراء والحقول والجبال والسهول؛ لتهيئ الأجيال للتعايش الحتمي مع تطورات الحياة التي تعد امتدادًا أصيلاً.. ومدًّا تاريخيًّا، لا بد فيه من الرجوع إلى «أجداد» أفذاذ و»آباء» نبلاء.. كانوا يورثون لنا الهويات بإرث يلتزم بالحد الثابت من الانتماء للقبيلة والعشيرة والقوم، ويتكامل مع هوية موحدة، تضع الجميع تحت مسلّمات «العدل» وقرارات «المساواة» في وطن يحتضن الجميع، ويشكل عنوانًا للهوية التي تمثل «تأشيرة» لصناعة كل الآمال الأمنيات..
تتصادم الهوية مع الحرية في مواجهة حتمية، ينجو منها «الحصيف»، ويسقط فيها «السفيه» في ظل ضرورة واضطرار للسفر والترحال والتنقل بين أماكن وشعوب، والانتقال وسط عادات وتقاليد، والمكوث تحت وطأة موجات من الحضارة باتجاهيها المبتكر والزائف.. فنرى عصيان الجاهل وانجرافه مع موجة تبدل، تلغي هويته، وتبدد معالمه، وتمكن العاقل من الاتزان بين هوية بلده ومعالم نشأته ومغانم تربيته، وما بين الاستزادة من «زاد» التحضر، والمواءمة بين التفكر بالتطور الذي ينمي ذاته، والتنكر للتغير الذي يهمش شخصيته..
الانسلاخ من الأصول والطبائع والأسس الأولى التي انطلق منها الإنسان يمثل تمردًا على «المنطق»، وتجردًا من «السواء»؛ فالحياة مليئة بالتجارب الكفيلة بمعرفة تداعيات القفز على أسوار «العرف»، ممتلئة بالمشارب المتكفلة بإيضاح تجليات المكوث في اعتبار «الحذر»..
شعوب تقتبس من بعضها «الخبرات»، وتلتمس من أميزها «المنجزات»، وتبقى هنالك فروقات في الكسب والاكتساب والمحاكاة والتباهي.. فليس كل ما يرى وينظر ويلمع في شعب آخر مناسبًا لشعب يختلف معه في القيم والفضائل والطبيعة البشرية والطبع الآدمي.. الجميع بشر، ولكن الاختلاف يتجلى وفق أعمدة «الدين»، ووسط «صروح «العقيدة»، وأمام «قيم» التربية.
الهوية والحرية تتقاطعان في سلوك الأفراد والمجتمعات.. الأولى حتمية ضرورية للعيش، والثانية استجابة اضطرارية للتعايش، وما بين الاثنتين منطلقات، وفيهما تتشكل دوائر البصائر، ومنهما تتكامل مدارات المصائر في سلوكيات ومسالك ترسمها الأنفس بخطوط خضراء على صفحة بيضاء من السلامة والاستدامة فيتجلى نجاح التكامل والتماثل مع أهمية الحذر والتوخي من رسم معالم الاقتباس أو الالتباس أو الاستئناس بخطوط حمراء، تبرهن شبهة «الأخطاء»، أو سوداء تشوه معالم «السواء».