أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن: إذا كان الدعاء صحيح الثبوت نصاً، أوصحيح المعنى: فإنه شفاء بإذن الله تعالى؛ ذلك أن من ذكر الله، ودعائه، وتلاوة كتابه: ما هو مطلق.. تقوله في أي وقت، وفي حال الرخاء والشدة؛ ليحصل لك الأجر، ولتطمئن القلوب.. ولكن التجارب تظهر أن الفعل لعملٍ مباح، والجمع بين نصوص شرعية في سياق واحد: تكون شفاء من داءٍ معين.. مع أنه لم يصدر بيان شرعي بفعل ذلك العمل المباح، ولا بتلاوة النصوص الشرعية بذلك السياق المعين.. ولكن بالله ثم بالتجربة يكون بذلك الجمع الذي أسلفته شفاء ذلك الداء المعين؛ فذلك هو الدعاء المجرب؛ فالأخذ به مشروع؛ لأن التجربة برهان؛ ولأنها نوع من الاستنباط الشرعي، ومن ذلك تجربة وهب بن منبه عفا الله عنه؛ فقد ذكر الإمام الحافظ أبو بكر عبدالرزاق بن همام الصنعاني رحمه الله تعالى: أن في كتب وهب أن تؤخذ سبع ورقاتٍ من سدرٍ أخضر؛ فيدقه بين حجرين، ثم يضربه في الماء، ويقرأ فيه آية الكرسي، وذوات {قل}، [يعني سورة الكافرون [الرفع على الحكاية]، وسورة الإخلاص، وسورة الفلق، وسورة الناس]، ثم يحسو منه ثلاث حسوات ويغتسل به؛ فإنه يذهب عنه كل ما به إن شاء الله؛ وهو جيد للرجل إذا حبس عن أهله.. انظر (المصنف) 11/13.. ونقل ذلك شراح صحيح البخاري ولم يردوه.. انظر (شرح صحيح البخاري) لابن بطال 7/446، و(فتح الباري) لابن حجر 10/233، و(عمدة القارىء) للعيني 21 / 284 - 285، و(إرشاد الساري) للقسطلاني 2 /185، و(نور الحق الصبيح) للمالكي 9 /211.. وأضاف العلامة الورع الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله تعالى: أن يشرب منه ثلاث مرات، ويغتسل بالباقي، وإن دعت الحاجة لاستعماله مرتين أو أكثر فلا بأس حتى يزول الداء إن شاء الله تعالى.
قال أبو عبدالرحمن: لا ينبغي إنكار ذلك شرعاً وإن كانت تجربة وهب غير مرفوعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن العمل مباح، والتلاوة مشروعة، والقرآن كله شفاء، والسور ذوات {قل} ذوات خصوص في الاستشفاء بالنص الشرعي، والآيات عن السحر اختيرت للمناسبة، وهي السحر والحسد؛ لأن السحر يصدر عن حسد وتعمد إيذاء، وهو فعل جانٍ، ولأن التجربة برهان علمي، والبرهان العلمي مطلب شرعي؛ فإذا أثبتت التجربة صحة هذا السياق لعمل مباح وتلاوة مشروعة: كانت التجربة استنباطاً من الشرع، وقد جرب غيري ذلك، وجربته في بعض أهلي وولدي وإخواني المسلمين فنفع الله به.. ثم إن إقرار علماء المسلمين ذلك إما بسكوتهم، وإما بممارستهم يمنح الثقة والاطمئنان؛ لأن الله جعل المسلمين خير أمة أخرجت للناس؛ ولأن خيرهم علماؤهم وعاملوهم الربانيون.. ومن البرهان التجريبي العلمي لخيرية هذه الأمة أن الله لم يجعلهم دعاة سوء حال غلبة تاريخهم؛ بل كانت الحسبة من أصول دينهم، ولم ينتشر الفساد في الأرض والإلحاد والإباحية على وجه الأرض إلا بفعل غيرهم من الأمم وعلى الرغم منهم.. وقد تحقق في هذه التجربة كمال الشروط الشرعية؛ لأن التلاوة مشروعة مطلقاً، والنص القرآني ثابت بالتواتر، ويصح أيضاً ما كان صحيح المعنى بلا تجوز.. والتجربة اقتضاء، ويعلم من أحوال التجربة ما قد يوجد من مانع يمنع من تأثير التجربة؛ إذ كل نتيجة لا تتحقق إلا بوجود المقتضي وتخلف المانع.. هذا ما يعلمه البشر من مجرى العادة، وأما إرادة الله جل جلاله فلا يحيط بعلمها أحد؛ فقد تتحقق المقتضيات وتتخلف الموانع فيما نعلمه من مجرى العادة، ولا تتحقق النتيجة؛ لأن إرادة الله المـفاجئة قد تكون ابتلاء للعبد: هل يجزع ويسخط؛ فتكون عاقبته وخيمة.. أو هل يصبر ويشكر؛ فيدخر الله له من حسن العقبى ما هو أجل وأفضل، ويرحمه ربه بأن يجعل بلواه على قدر تحمله.. وهذه المجربات بخلاف الشعوذات التي يسمونها مجربات مثل كتاب (عمليات ومـجربات الإمام الغزالي الكبير)؛ وهو مكذوب على الإمام أبي حامد، وقدره من العلم والدين، وإن كان متسامحاً في إيراد الأحاديث الضعيفة والموضوعة في الوعظ، مع كثير من التصوف، وتأرجحات في حياته، ولكنه منزهٌ عن الشعوذة والسحر، ورجحان عقله وقوة إيمانه فوق ذلك.. وهذا الكتاب نشرته مؤسسة النور للمطبوعات ببيروت/الطبعة الأولى عام 1422هجرياً بتصحيح خالد القصير الذي وصف نفسه بالشيخ، ولكل ضلال شيخ..لا عمل لهذا القصير في التصحيح، والتوثيق، وذكر الأصول الخطية؛ لأن الغرض الترويج للبدع والشعوذات.
قال أبو عبدالرحمن: كما أن التجربة تظهر خاصية للدعاء الشرعي؛ فكذلك الأدوية تظهر التجربة أن لها خواص في أمراضٍ معينة كالسدر؛ فقد أظهرت التجربة أن الجن تتأذى منه إذا شرب منه أو اغتسل به ذو المس والمسحور، وله خواص أخرى ذكرها الأطباء القدماء.. وقد ذكر الأطباء خواصه العلاجية كابن البيطار في الجامع، وداوود الأنطاكي في التذكرة، وتابعهما ابن قيم الجوزية في زاد المعاد رحمهم الله تعالى.. ومن المجربات ما ذكره الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى قوله: «ويجوز أن يكتب للمصاب وغيره شيئ من كتاب الله وذكره بالمداد المباح، ويغسل ويسقى كما نص على ذلك أحمد وغيره.. قال عبدالله بن أحمد: قرأت على أبي: حدثنا يعلى بن عبيد: حدثنا سفيان: عن محمد بن أبي ليلى: عن الحكم: عن سعيد بن جبير: عن ابن عباس [رضي الله عنهم] قال: إذا عسر على المرأة ولادتها فليكتب (بسم الله.. لا إله إلا الله الحليم الكريم.. سبحان الله رب العرش العظيم.. الحمد لله رب العالمين {كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشيةً أو ضحاها} (46) سورة النازعات.. {كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعةً من نهارٍ بلاغٌ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون} (35) سورة الأحقاف.. قال أبي: حدثنا أسود بن عامر.. بإسناده بمعناه، وقال: يكتب في إناء نظيف فتسقى.. قال أبي: وزاد فيه وكيع: فتسقى وينضح ما دون سرتها.. قال عبدالله: رأيت أبي يكتب للمرأة في جام (؛هو إناء من فضة) أو شيئ نظيف.. وقال أبو عمرو محمد بن أحمد بن حمدان الحيري: أنا الحسن بن سفيان النسوي: حدثني عبدالله بن أحمد بن شبويه: ثنا علي بن الحسن بن شقيق: ثنا عبدالله بن المبارك: عن سفيان: عن ابن أبي ليلى: عن الحكم : عن سعيد بن جبير: عن ابن عباس [رضي الله عنهم] قال: إذا عسر على المرأة ولادها فليكتب: (بسم الله، لا إله إلا الله العلي العظيم، لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله وتعالى رب العرش العظيم، والحمد لله رب العالمين {كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشيةً أو ضحاها} (46) سورة النازعات.. {كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعةً من نهارٍ بلاغٌ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون} (35) سورة الأحقاف.. قال علي: (هو ابن الحسن بن شقيق) يكتب في كاغدة.. [قال أبو عبدالرحمن: الكاغدة: ورقة].. قال الزبيدي في تاج العروس 2 / 586: (الكاغد بفتح الغين.. أهله الجوهري، وقال الصاغاني: هو القرطاس فارسي معرب وسيأتي الكلام عليإن شاء الله).. وإلى لقاإء قادم إن شاء الله تعالى، والله المستعان.
** **
كتبه لكم: أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري - (محمد بن عمر بن عبدالرحمن العقيل) - عفا الله عني، وعنهم، وعن جميع إخواني المسلمين