محمد آل الشيخ
يقول المتخصصون إنك لو استطعت جمع فيروسات كورونا التي قتلت الملايين في العالم فإنها لن تتعدى جميعها ما يملأ ملعقة شاي لا أكثر. لكن هذا الكائن المتناهي الصغر الذي لا يمكن أن تراه منفرداً بالعين المجردة قتل من البشر أكثر من ضحايا الحروب المدمرة في التاريخ، وهذا العدو الصغير هز استقرار دول، وأسقط اقتصادات أخرى، بل وأسقط رؤساء كما فعل بالرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وأكاد أجزم أن هناك من ينتظر نفس المصير، كما أن نمط التواصل والتعايش والعلاقات الاجتماعية لم تعد كما كانت قبل كورونا.
لا يدري أحد على سبيل الجزم هل سينتهي هذا الوباء من العالم ويتلاشى، أم أنه سوف يأخذ أنماطاً وسلوكيات جديدة، قد تُفاجئ الخبراء والباحثين؛ ثم هل ستكون أنواع التطعيمات المضادة لهذا الفيروس وتشكلاته المكتشفة حتى الآن، قادرة على كبح جماحه، أم أن المستقبل ستكتنفه أنواع أخطر على الإنسان؟.. كل هذه تساؤلات لا أحد يمكنه التنبؤ بالإجابة عنها؛ فالمستقبل مفتوح على كل الاحتمالات، ولا سيما أن تخمينات كثير من الأطباء والخبراء المتخصصين في بداية الجائحة ثبت فشلها إلى درجة كبيرة الآن.
وإذا نظرت إلى هذه الجائحة التي داهمت العالم على حين غِرة ستجد أنها كشفت كثيراً هشاشة الأنظمة الصحية في دول العالم، بما فيها أغلب دول العالم الأول، وأظهرت قصوراً لم يكن متوقعاً في قدرة وكفاءة هذه الدول في التعامل مع هذه الجائحة، سواء كان ذلك في تدني استعداد هذه الدول للتعامل مع الأوبئة المفاجئة، أو أسلوب وطريقة وتنظيم الإجراءات الاحترازية قبل اكتشاف اللقاح المضاد، وتوفير اللقاحات بعد اكتشافها بالسرعة والكميات المطلوبة، وطُرق توزيعها بين المواطنين, بما يكفل محاصرة الفيروس، ومن ثم القضاء عليه. مرَّت هذه الجائحة حتى الآن بموجتين في بعض الأماكن وربما إلى ثلاث موجات في أماكن أخرى، وقد تبارت الجهات الطبية المسؤولة في مختلف دول العالم على تقليص عدد هذه الموجات، من خلال الإجراءات الاحترازية التي تتكئ على التباعد الاجتماعي قدر المستطاع، وكذلك فرض ارتداء الكمامات، ومنع التجمع في الأماكن التي من شأنها أن تكون بيئة مساعدة على تفشي الفيروس، وفرض هذه الإجراءات فرضاً من خلال عقوبات مالية على المتساهلين بتطبيق هذه الإجراءات، كما في المملكة.
ومن دواعي الفخر والاعتزاز أن المملكة كانت من أنجح خمس دول في العالم في التعامل مع هذه الجائحة، ففي الوقت الذي عصفت بكثير من الدول الموجة الثانية، بقيت المملكة من حيث عدد الإصابات وعدد الوفيات تتناقص، وهذا يعني أنها استطاعت عملياً مقاومة الموجة الأولى، ونأت بنفسها حتى الآن عن الموجة الثانية لانتشار الوباء؛ أضف إلى ذلك أن المملكة كانت أول دولة عربية قامت بإدخال التطعيم الأمريكي (فايزر)، والذي يحتل الدرجة الأولى من بين اللقاحات المتاحة التي اعتمدتها دول العالم المتطور. وما من شك في رأيي أن التعامل الجاد والصارم مع المتساهلين والمستهترين بتوخي الحذر لمحاصرة تفشي العدوى أفضل الآثار الإيجابية التي أوصلت المملكة إلى هذا المستوى المتميز، خاصة بين جاراتها في الخليج والعالم العربي بل ودول العالم أجمع. كما أن المملكة من أقل دول العالم التي تأثرت اقتصادياتها تأثراً سلبياً بهذه الجائحة، وكما تقول المؤشرات فإن التعامل الحذر والاستباقي والحازم مع هذا الفيروس يأتي في المقدمة، بل ربما أنه يسبق أهمية التطعيم للوصول إلى مناعة أكبر عدد من المواطنين.
وإذا كان بإمكاننا أن نستشرف المستقبل فإن المملكة مؤهلة بكل ما تحمله الكلمة من معنى وبجدارة في أن تكون من أوائل الدول في العالم التي ستصل إلى مستوى المناعة الكلية للأفراد، وأنا على يقين أننا سنحقق هذه الغاية، إما في نهاية عام 2021 أو في بدايات عام 2022 بعون الله تعالى.
المهم أن نعمل بكل قوانا أن نبقي هذه الجائحة تحت السيطرة، ولا نتهاون في تطبيق الإجراءات الاحترازية حتى نتمكن من تطعيم أكبر قدر من المواطنين والمقيمين.
إلى اللقاء