د. فاطمة سحاب الرشيدي
لا شك أن التطوير والتقدم والابتكار هو مطلب بل وضرورة ابتداءً من الفرد ذاته وصولاً للمجتمع فالعالم أجمع. فيا ترى ما الذي يجعل دوران العجلة في تباطؤ أو عودة صادمة للمربع الأول؟ أعتقد من وجهة نظري أنه حشر كل الخطط وآليات التنفيذ بين مطرقة التنظير وسندان النقد!
فهل سيكتب النجاح لناقد! أو لمنظر!
باعتبار أن المنظر هو من يرسم خطة العلاج.
لا يمكن أن يبدأ العلاج فعلياً من دون نقد (كتشخيص) ثم تنظير (كخطة علاج)، ولكن المهم والأهم هو: من الذي يشخص؟ من الذي يخطط؟ ومن فريق عمله؟ متى ستبدأ الخطة وكم ستستغرق ومتى ستنتهي؟
إن الفريق هو السر الحقيقي بدءاً من الاختيار والتناغم المبني على الكفاءة والمهنية والجدية والإخلاص كأول الخطوات التي يجب أن تكون من قائد العمل، وأنا هنا أقول قائد لاختلاف المعنى إلى طرفي نقيض بين القائد والرئيس في الشخصية، وهذا موضوع يحتاج إلى أسطر كثيرة تشرح الفرق بينهما. لكن ما يعنينا هنا هو التركيز على قضية الخروج من دائرة النقد والتنظير والاستمرار في حلقتها المفرغة دون نتائج.
ما أروع العمل حين يكسر تلك الحلقة لحيز التنفيذ المدروس والمخطط، والأهم هو استمرار التقييم والمتابعة (ماذا أنجزنا؟ ما الذي أعاقنا؟ ما الذي سهل لنا؟ من دعم التقدم؟ من سبب الفشل؟ كيف سنستمر ومتى تحديدًا سنصل؟)
هذه المرحلة هي السر العظيم لذلك.
ولعل ذلك يتأتى بالتركيز أكثر على مرحلة البدء بالتنفيذ ولا نتوقف فرحاً أن وجدنا الحل ورسمنا الخطط (على افتراض استيفائها لجميع أركان نجاحها مما ذكرت سابقًا) وكأننا جعلنا أمهر الاستشاريين يشخص حالة المريض ويصف له الدواء الناجع ثم سلمناه لطاقم غير كفؤ من الطاقم الطبي المساند وغير المؤهل. فهل سيكتب له الشفاء؟
ما نحتاجه هو النظرة الموضوعية المدروسة تخطيطًا وبناءً وهيكلة للبنية التحتية البشرية من إدارية واستشارية وتنفيذية ممن لديهم وضوح في الرؤية وثبات مبادئ وإيمان قوي بالقدرات قبل البنية المادية!
يجب التجرد من المثالية المصطنعة والنقد لمجرد النقد والهروب من الاعتراف بالواقع حتى تتم القفزة فأمرها سهل إن تجاوزنا تلك العقبة.
ولعل ذلك ما نراه واضحاً جلياً في سياسة ونهج الدولة -حفظها الله- وولاة أمرنا في تحقيقها لقفزات نوعية متسارعة وجادة دون هوادة ولا مجاملة ولا تعاطي مع المثبطين.. لكنها تحتاج إلى أبنائها كلاً في مجاله لضخ دم القوة والسرعة والتكاملية والإحساس بالمسؤولية في كل عرق لها في الدولة ومؤسساتها الحكومية والخاصة في الأفراد والجماعات. فالوظائف ليست مجرد ضمان مادي واجتماعي، وصناعة المجد ليست أماني وأحلامًا، والعمل ليس شعارات، بل صناعة فكر وعمل جاد ومخلص دؤوب، هو الإحساس بالانتماء وأن لكل منا دوره الذي لا يستهان به في صناعة الوطن ونهضته.