إذا أنعم الله سبحانه وتعالى على عبده المؤمن بعمل صالح فإنها خير النعم، وحق لذلك العبد أن يفرح، {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:58]، فلحظات الصالحات هي أروع لحظات الحياة، بل هي الحياة الحقة التي يعيشها الأشخاص الصالحون، الذين ليس لهم في هذه الدنيا ثمة سعادة إلا في رضا الله سبحانه وابتغاء مرضاته.
لذلك إذا أنعم الله سبحانه على عبده بعمل صالح، تجده في حيرة إذا أنهاه، إذ إن فرحته بعمله الصالح تجعله خائفًا أن يتبعه بآخر سيئًا، أو خاشيًا من السقوط في إثم أو معصية بعدما عمل صالحًا وسار في سبيل الهدى.
ولهذا وجهنا منهجنا الإسلامي نحو نوع من ختام للأعمال الصالحة يليق مع طبيعتها، ليزيل ذلك الخوف من كل خائف، ألا وهو الاستغفار، وحده الاستغفار مناسب عند ختم كل عبادة وعمل صالح، إذ يجبر النقص فيه، ويملأ قلب العبد بالطمأنينة والسكينة، ويحفظه من الإعجاب بعمله، كما يذكره أيضاً بتقصيره الفائت.
وقد كان من هدي النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ختمُ الأعمال الصالحة بالاستغفار، بل إن من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يختم قراءة القرآن والصلاة وسائر العمل بذلك الاستغفار، فعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «مَا جَلَسَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَجْلِسًا قَطُّ، وَلاَ تَلاَ قُرْآنًا، وَلاَ صَلَّى صَلاَةً إِلاَّ خَتَمَ ذَلِكَ بِكَلِمَاتٍ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَاكَ مَا تَجْلِسُ مَجْلِسًا، وَلاَ تَتْلُو قُرْآنًا، وَلاَ تُصَلِّي صَلاَةً إِلاَّ خَتَمْتَ بِهَؤُلاَءِ الْكَلِمَاتِ ؟ قَالَ «نَعَمْ، مَنْ قَالَ خَيْراً خُتِمَ لَهُ طَابَعٌ عَلَى ذَلِكَ الْخَيْرِ، وَمَنْ قَالَ شَرّاً كُنَّ لَهُ كَفَّارَةً: سُبْحَانَكَ [اللَّهُمَّ] وَبِحَمْدِكَ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ».
فلا قيمة لمال ولا زخرف، ولا ولد ولا مكانة ولا منصب، ولا اسم ولا عمر ولا عيش، إلا بمرضاة الله عز وجل وتلك هي أسمى الغايات، وأعلى الدرجات، التي يفوز بها المؤمنون والمؤمنات.
فالاستغفار عبادة يحبها الله سبحانه من عباده، وشرعها لهم تفضلًا منه وإنعامًا، ليكفر عنهم سيئاتهم ويمحوها، فأمرهم بها طوال حياتهم، فقد روي عن لقمان أنه قال لابنه: «عود لسانك: اللهم اغفر لي فإن لله ساعات لا يرد فيها سائلًا».
وكلما حرصنا عليه وتقربنا للباري سبحانه أكثر وأكثر، وتمسكنا بمنهجه الكريم، سيزداد المؤمن تواضعًا مع ربه وذلة وانكسارًا، وكلما ازداد انكسارًا زاد عند الله رفعة، وما أجملها من رفعة.
فلنكثر من الاستغفار في بيوتنا، طرقاتنا، أسواقنا، فلنكثر منه على نعمنا وموائدنا وخيراتنا، فلنكثر منه على سعادتنا وأحزاننا، فإنكم لا تدرون متى تنزل المغفرة.
قال الله تعالى: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي.