سهوب بغدادي
نعيش في عالم تغزوه أحدث التقليعات وصيحات الموضة التي يتم الترويج لها في كل مكان وزمان، فمدة تعرض الشخص للشيء يزيد من قابليته لتقبله وتبنيه. وهكذا تبنينا كمجتمع ثقافة «الماركات» أو العلامات التجارية «رفيعة المستوى والفارهة. وتتداخل الظاهرة في جميع نواحي الحياة اليومية من ملبس وأدوات وأجهزة إلكترونية وسيارات ووصولا إلى المأكل. بغض النظر عن مفهوم الظاهرة «حب الماركات» الذي يعكس معاني سيكولوجية عميقة تعود إلى تكوين الإنسان باعتباره كائن اجتماعي ويطمح للانتماء إلى جماعة معينة أو أكثر. نجد أن الملبس يعكس طبقة أو فئة معينة قد ينتمي لها أو يحاول الانتماء لها. لست هنا لمحاولة تجريم ذلك أو الترويج للمفهوم، فكل إنسان يمتلك الحرية فيما يتعلق باختياراته. وفي الآونة الأخيرة، شهدنا -في أوساط النساء- تحولا ملموسا في التوجهات المنوطة بالكماليات وأمور الزينة، فكان بعض النساء يعمدن اقتناء الحلي من أشهر بيوت الموضة العالمية، فتكون قيمتها المكلفة بسبب الشعار الذي تتوسمه المرأة. في حين اتجه العديد من النساء إلى الحلي من الذهب الخالص، وعجت الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي بالتوعية حول موضوع اقتناء الذهب. إن ظاهرة اقتناء الذهب ليست بحديثة، ولكن مزاحمتها عالم الموضة من ناحية نسخ تصاميم العلامات التجارية وبيعها بسعر الذهب الأصلي أمر مدعاة للتفكر، فشراء قطعة مقلدة من الذهب الخالص لها مميزتين في ذهن العميل، الأولى، في الشعور بالانتماء إلى مجموعة أو طبقة اجتماعية، والثانية الأمان المادي من الناحية الاقتصادية من خلال حفظ قيمة القطعة والاستثمار المحتمل مستقبلا، وإن تغيرت التصاميم وأصبحت قديمة ورتيبة، فالعنصرين الآنف ذكرهما أحدثا تغييرا ملموسا في مفهوم الشراء الاستهلاكي والاقتناء والاستثمار.
يذكر أنه من خلال استطلاع رأي حديث أقيم الأسبوع الماضي فضل معظم المستثمرين الذهب على عملة البيتكوين على الرغم من تسجيل الأخيرة ارتفاعًا غير مسبوق خلال الفترة الماضية، ويعزى ذلك الاختيار إلى أن الذهب يمتلك سجلًا تاريخيًا ممتدا لآلاف السنين كمخزن للقيمة، ولا يواجه نفس مخاطر المنافسة فيدخل الذهب كاستثمار، وأصل احتياطي، وسلعة فاخرة ونادرة، ويحافظ تاريخياً على قيمته بمرور الوقت. فيما نستشف من التوجه العام نحو سلعة ما أبعادا اقتصادية، خاصة في ظل الجائحة الصحية العالمية بتفشي فيروس كورونا الذي تسبب في تداعيات مختلفة في مواطن حيوية في حياة الفرد والمجتمعات. ولا تعد ظاهرة سيئة بطبيعة الحال، لأن الاستثمار في الذهب أفضل وأضمن في جميع الأزمنة والأحوال، فكما قالت الجدات حفظهن الله ورحم من رحل منهن عن الذهب «زينة وخزينة» وكما جاء من الإنجليزية مصطلح Gold Digger ويعني المنقب عن الذهب، والذي يطلق على الشخص الذي ينخرط في علاقة ما بحثا عن المال، ولم يذكر على سبيل المثال Money Digger «النقود» أو غيرها فللمصطلح مدلولات تاريخية واقتصادية واجتماعية وما إلى ذلك.