عبده الأسمري
الفيروس جسم غريب يقتحم أجهزة الإنسان وتظهر أعراضه وتعرف أغراضه ويحتاط الكل للوقاية والتخلص منه.. وتأتي الثقافة الذاتية والتوعية الصحية على رأس الاهتمام في محيط البشر والدليل ما فعله «فيروس كورونا» الذي وحد العالم على خط دفاع واحد وهم مشترك..
قد لا يلتفت الإنسان إلى أن هنالك فيروسات لا ترى بالعين المجردة ولا من خلال الأجهزة الطبية ولا تظهر في التحاليل ولكنها تبقى مكتشفة في التشخيص وفي الأعراض والنتائج وهي لا تقل خطراً عن تلك الفيروسات التي تهاجم الأجهزة الحيوية في الجسد.. إنها «الفيروسات النفسية» التي تهاجم الجهاز النفسي وتتربص بالعقول والأفئدة وتحيك «شراك» السوء في محيطات «السلوك» الإنساني.. وتتمخض عنها متاعب عدة ومصاعب متعددة.
تتخذ الفيروسات النفسية من العقل الباطن مكان قصي لتشكيل شخصية الإنسان وبلورة سلوك الفرد ثم تهاجم العقل البشري في هيئة تصرفات أو مواقف أو ردات فعل وتنتقل عبر «العدوى السلوكية» التي تجعل الإنسان تحت وطأة التفكير في الموقف والتصرف والانعكاس المستقبلي لذلك وقد تتشكل لديه أعراض متعددة بسبب عواصف القلق والتوتر.. الأمر الذي يجعله عرضة للاكتئاب المبدئي والذي قد يتطور إلى المتوسط ثم الحاد كل ذلك بسبب «فيروس» نفسي غير مرئي لم يلق له الشخص بالاً احتل طمأنينته واستحل سكينته ورماه في «غيابة التعب»..
ينطلق الفيروس النفسي من خلال موقف معين أو مشكلة واقعة أو حادثة مؤلمة أو سلوك مضاد تعرض له الإنسان الأمر الذي يجعله عرضة لهذا المؤثر الذي قد تتكون على ضوئه مؤثرات أخرى تتحد لتجهيز كتيبة من الفيروسات المتشكلة داخل العقل وفي القلب لبسط نفوذها على مساحات الأمان النفسي مما يتسبب في اختلال الشخصية وضياع الوقت وتبديد الراحة وتسيد الكابة وسيطرة التوجس التي تعد أعراضاً حتمية لهذا الفيروس المجهول الذي يواجه البشر في حملة داخلية شرسة تجتاز أسوار النفس وتزعزع أعماق الروح وتزلزل أركان الذات..
تتجاهل الأسر سلوكيات الأبناء في خضم مشاغل الحياة وقد يتحول هذا السلوك الموغل في دوائر «النسيان الأسري» إلى عادة مستديمة للابن أو الابنة وقد يتطور فتأتي على خلفيته انعكاسات سلبية ثم تصدر سلوكيات لاحقة في محيط الأسرة تتجلى في هيئة أعراض ظاهرة وواضحة على طريقة العيش وآلية التعايش فيستمر التجاهل حتى يصاب الشخص الذي احتله «الفيروس النفسي» إلى مريض يبدأ أولى خطواته بالوحدة والعزلة واللجوء إلى مسالك أشد خطراً لا سمح الله.. ويحدث كل ذلك والآباء والأمهات في غفلة مخجلة تجعل الأمراض النفسية تحتل عقر الأسرة وترمي بظلالها السلبية على مستقبلها.
تتشكل العدوى السلوكية كنتيجة واقعة لوجود هذه الفيروسات النفسية التي تصنعها سلوكيات البشر وأقوالهم وأفعالهم ومواقفهم فتأتي في هيئة إساءة أو ظلم أو تعدٍ أو تجنٍ أو نكران أو خذلان أو لؤم أو احتيال وغيرها والتي يمثل كل واحد مها «فيروساً» خطيراً يهاجم جهاز المناعة الذاتي وإذا لم يستعد له الإنسان وكان جاهلاً بالتعامل معه ووقع ضحيته دون الالتفات لمساوئ وسلبيات وتداعيات هجماته فإنه سيكون عرضة للنتائج المتعبة أو السلوكيات المضادة وكلاهما مؤلمان. مما سيدفعه حتماً لأن يقع فريسة الأعراض المختلفة التي تجعله في مغبة «الاعتلال النفسي» و«الاختلال السلوكي».
الكون في تسارع والتحديات في مدى يصل إلى كل الاتجاهات وصدى يتجاوز كل التوقعات.. لذا فإنه لا بد من الاحتياطات والاستعدادات لمواكبة موجات التغير ومجابهة واجهات التغيير.. على كل الأسر أن تضع «غرفة عمليات أسرية» لدراسة شؤون أفرادها ومتابعة شجون أعضائها.. فالبعض يعايش أزمات خفية وآخرون يعايشون صعوبات مخفية وهنالك من يختزن الكبت ومن يحتال بالصمت.. الكل مسؤول في ظل تباعد «مضلل» بين الآباء والأمهات والأبناء وابتعاد يتسلل لصناعة «الفجوات» التي تزيد من «هوة» الحاجة ومن «فراغ» الاحتياج.. في ظل تحول المنازل إلى «مواقع» إيواء بعيداً عن هدفها الأساسي في أن تكون «منابع» احتواء..
الأمراض النفسية في تزايد وباتت تتربص بالكل في ظل موجة جارفة من التخاذل، والوقاية مطلب أول.. والثقافة متطلب أمثل لتأسيس الخطط الشخصية من أجل رفع مستويات المناعة النفسية ومواجهة العدوى السلوكية والوصول إلى أعلى درجات «الأمن النفسي» و«الأمان الاجتماعي».