عبدالعزيز السماري
حفل التراث بنقل متواتر عن العنصرية والشعوبية، واشتكى الموالي وهم غير العرب في بادئ الأمر من التفرقة على أسس عرقية، هو ما نتج عنه ما يُعرف بالشعوبية، وجاء في القاموس المحيط «والشعوبي بالضم محتقر أمر العرب وهم الشعوب». قال عنها القرطبي هي حركة «تبغض العرب وتفضّل العجم» وقال الزمخشري في أساس البلاغة: «وهم الذين يصغرون شأن العرب ولا يرون لهم فضلاً على غيرهم».
كان الشعوبيون يسمون حركتهم «حركة التسوية» (التسوية بين حقوقهم وحقوق العرب)، ويرى المفكر الإسلامي الإيراني علي شريعتي أن الحركة الشعوبية تحولت تدريجياً من حركة تسوية إلى حركة تفضيل العجم على العرب وعملت عبر ترويج المشاعر القومية وإشاعة اليأس إلى ضرب سلطة الخلافة.
من أهم مصادر الشعوبية شعورهم الباطني أنهم أقل طبقة من العرب، وهي ما جعلهم يتجمعون عن شعار حقوق التسوية، لكن الإشكال أنهم لا يتحدثون عنها علناً، ولكن يمارسونها مثلما تتعامل معهم الغالبية بعنصرية، وخلق ذلك ضرراً بالغاً على الطرفين، وولد صراعاً خفياً، تظهر سماته في تكتل الجانبين، والخاسر الأكبر هو الوطن، والإنتاجية والمساواة.
الغريب في الأمر أن بعض خلفاء العباسيين أقصوا العرب، واعتمدوا على الشعوب الأخرى، وذلك من باب الخوف على الخلافة، وكانت النتيجة أن انتقل الحكم من العرب إلى الترك والفرس، وهذا لا يعني أن نزكي العنصرية العربية، ولكن لأن الشعوبية أحد وجوه العنصرية والعكس صحيح، وما زالت هذا الشقاق موجوداً في هذا العصر، ويختفي في أعماقه جذور الانشقاق في المجتمعات العربية، وقد لا تبدو ظاهرة في السطح لكنها موجودة، ويجب الوعي بها.
لا يزال هذا النسق يتمدد في المجتمع العربي، والشعوبية والعنصرية وجهان لعملة واحدة، وتنافي مبادئ الوطنية، والتي لا تفرِّق بين المواطنين على أسس عرقية أو طائفية، ولكن في ظل غياب القوانين قد ينتشر أي منهما تحت مسميات عديدة مثل الكفاءة والخبرة وغيرها، وهي موجودة في المجتمع العربي، ويجب مكافحتها من خلال التفتيش عن أسباب تكتل أي من الجانبين في المؤسسات والشركات، ناهيك عن الإقليمية، وتأتي الخطورة أن بعض العرب ينحاز إما إلى العنصرية أو يوالي الشعوبي ظناً أنه بذلك يحمي سلطته ومنصبه، وهو ما حدث في بعض فترات التاريخ العربي.
يستدعي الأمر وجود قوانين عربية تحارب العنصرية والشعوبية بكل وجوهها، وفي مختلف القطاعات، وإذا ثبت أن أياً كان يوالي قومه أو يعاديهم من خلال هذه المفاهيم يُحاسب، لما في الأمر من سلبيات علي ثقافة العمل، وقد نشاهدها في مختلف أوجه العمل في ظل وجود كيانات تحمي مصالحها، والميل لأبناء جنسها، وقد يدخل تفضيل الأجنبي في التوظيف على المواطن في هذه المفاهيم تحت ذريعة الكفاءة والخبرة, وكل ما نحتاجه أن نوسع دائرة الوعي على هذه الظواهر المسيئة للوطن، وأن نفحص بعضها من أجل الوصول إلى الحقيقة، فالوطن يجب أن يكون أسمى من أن تكون المصالح على أسس عرقية مثل تفضيل جانب على الآخر لأسباب ليست لها علاقة بالعمل.