د. تنيضب الفايدي
قبل أكثر من خمسين عاماً لم تكن لدى المعلمين ثقافة ( مكتب المعلم) ولم تكن المقاعد المشتركة يظفر بها كلّ معلم، وحتى أقرّب الصورة أكثر سأعرض بعض صور مقاعد الطلاب حيث توضح الصورة الأولى مقاعد الطلاب والطالبات ولا سيّما أن بداية انتشار مدارس الطالبات بدأ عام 1381هـ.
والصورة الثانية توضح الطلاب ممن درس على تلك المقاعد، وربما يتذكّر كلّ طالب من كان بجواره، وتتذكر كلّ طالبة من كانت بجوارها من زملائه أو زميلاتها.
ومقاعد المعلمين مشتركة أيضاً ولكنها أكبر وأوسع من مقاعد الطلاب بحيث تتسع لستة معلمين حيث تثبت مجموعة من الألواح الخشبية بالمسامير للجلوس عليها، وبعد تثبيتها يكون لها ثلاثة أدراج، وكل درج يشترك فيه معلمان ويمكن تغيير المقاعد مع أي معلم، وقد كان لي زميل نشترك في درج واحد، وأتذكر أن للدُّرج المشترك أطواراً متعددة، فعندما يتم فتحه تجد أجزاء من الطباشير، وبقايا خبز جاف صغيرة، ومرسام مكسور، وقلم أحمر دون غطاء، وأحياناً تجد مساحة السبورة، وتنبعث منه بعض الأوقات رائحة كريهة وعندما تفتحه تجد (شراباً) ذهب صاحبه للوضوء، كما تشعر أثناء الجلوس أمام درجك بوخز من الأسفل وتقف لتكتشف بأن مسماراً قد تآكل الخشب من حوله.
وفي الأعوام الأولى للتدريس كان «شريكي في الدرج» محباً لنوع خاص من الشعر الشعبي يطلق عليه الكَسْرة أو شعر الكسرات وكنت وقتها أحفظ لبعض الشعراء ولاسيما أمير الشعراء أحمد شوقي ولا توجد خصوصية أو سرية «للدُّرج» المشترك؛ لأنّ لكلّ من الشريكين فتحة متى ما أراد، ووجدت مرة قصاصة من ورقة» وقرأتها في غياب زميلي وهي من شعر الكسرات، علماً بأنني أحب سماع الكسرات ولا أجيد إلقاءها، كما لا أحفظ من ذلك الشعر إلا القليل، وأتذكر أن بها بعض الكلمات مثل: أصل وفروع وفسرتها اجتهاداً من عندي آنذاك بأن هذه الكسرة قيلت في فتاة ذات أصل وجمال مع طول في شعرها الكثيف (فرعاء)؛ لأنّ فروع جمع فرع حيث يقول شوقي في قصيدته (جارة الوادي) ويقصد بها (زحلة أحد مصايف لبنان):
يا جارة الوادي طربت وعادني
ما يشبه الأحلام من ذكراك
إلى أن يقول:
ودخلت في ليلين فرعِكِ والدُّجَى
لكن تفسيري لتلك الكسرة كان خاطئاً، فقد قلت لزميلي بأنني قد اطلعت على الكسرة فقال: نعم، هذه الكسرة قالها فلان، ويقصد بها القثاء... القثاء؟ نعم، وفروع: الفروع القثاء الصغيرة وتكون ليِّنة وطرية لذيذة الطعم..!!
هكذا كانت مقاعد المعلمين.