خالد بن حمد المالك
عندما أقول أمريكا الآن، فأنا أعني بذلك قراراتها المصاحبة لساكن البيت الأبيض الجديد، وأعني بذلك التغيّر الأمريكي في السياسات والمواقف بين ما كانت عليه في عهد الرئيس السابق ترامب والرئيس الحالي بايدين، دون أن تتخلَّى الرئاسة الأمريكية الحالية أو تبتعد كثيرًا في تعاملها مع بعض القضايا الجوهرية، إذ إنها أبقت الباب مفتوحًا لتعديلات كما في المفاعل النووي، وفسّرت قرار اعتبار ميليشيا الحوثي ليست تنظيمًا إرهابيًا ليساعد ذلك في تقديم المساعدات الإنسانية، وليس نفيًا لصفته الإرهابية.
* *
هذا التغيّر في القرارات بتلطيفها، أو تعديلها، أو إدخال مصطلحات عليها، أو ضخ شروط جديدة لإمساك العصا من الوسط، وتجنّب التصعيد، قد يعطي مؤشرات تُفهم إيرانيًا وحوثيًا على غير ما تعنيه أمريكا، وقد ترسل هذه القرارات رسائل يجد فيها نظام الملالي وتنظيم الحوثي وغيرهما مما سيناله حظًا سعيدًا من هذه القرارات ومثيلاتها، أن أمريكا القوية لن تستخدم قوتها في التصدي للإرهاب وللدول والتنظيمات التي تتبنى زعزعة الأمن والاستقرار في منطقتنا.
* *
ما نريده من أمريكا - كحليف قوي لدول مجلس التعاون، وباعتبارها القوة العظمى عالميًا إلى اليوم - أن تتعامل مع الدول والمنظمات التي تمارس أو تموِّل الإرهاب على نحو ما نراه من إيران بما يمنع استفحاله، وامتداده حتى لا يصل ضرره إلى مصالح أمريكا نفسها في المنطقة، كما هو مشاهد في العراق، وأن رفع صفة الإرهاب عن التنظيم الحوثي، وإجراء تعديلات على الاتفاق النووي، لن يكون أكثر من وقت يُعطياه للقيام بتنظيم استعداداتهما لضرب الاستقرار في المنطقة.
* *
وما نتمناه مخلصين من الرئيس جو بايدن، -وهو الضليع بمعرفة التحديات التي يشكِّلها نظام إيران في إثارة شعوب المنطقة، والتآمر على أمنها واستقرارها- أن يكون موقفه أكثر صرامةً، وأشد قوةً، في مواجهة النوايا السيئة، والممارسات غير المقبولة لهذا النظام البغيض، ولهذا التنظيم السيئ، سواء ما يخص دول المنطقة، أو أمريكا نفسها.
* *
فعودة الولايات المتحدة الأمريكية إلى الاتفاق النووي، سواء بالتخلّي عن العقوبات أولاً كما تطالب بذلك طهران، أو بجعله مؤجلاً إلى حين التوصل مع نظام الملالي إلى تعديلات جوهرية تقبل بها واشنطن وطهران، ستكون هذه العودة فرصة لتكرار ألاعيب نظام الملالي، وعدم التزامه بما سوف يتم الاتفاق عليه، وستمضي إيران في سياساتها غير آبهة بما تكون قد وافقت عليه، طالما أن التعامل مع هذا النظام يتم بهذه المرونة والتوسل لكسب رضاه.
* *
لقد كانت تجارب دول العالم في التعامل مع نظام إيران منذ ثورة الخميني عام 1979م وإلى اليوم، تجارب مريرة، تمثَّلت في ممارستها إرهاب الدولة، وهناك دماء وقتل ومؤامرات يقودها وينفذها مرتزقة ووكلاء بتوجيه ودعم من أعلى سلطة في إيران، وقد اكتوت أمريكا بحصة كبيرة في عدد قتلاها على امتداد العالم بفعل الممارسات الإيرانية دون أن تجد من يوقف تهورها وعدوانها المتواصل.
* *
للتذكير فقط، فإن رفع العقوبات عن إيران، والإفراج عن أرصدتها المالية في عدد من الدول، وتفهم مطالبها من أجل عودة أمريكا إلى الاتفاق النووي، ومنعها من تطوير مفاعلها النووي، لن يحول ذلك دون استمرار طهران في إنتاج قنبلتها النووية، والتوسع في إنتاج الصواريخ البالستية، ولن يمنعها من استئجار الوكلاء والمرتزقة لتنفيذ جرائمها ضد أمريكا ودول المنطقة.