عبدالله الهاجري - الرياض:
«إلى لا شيء».. بهذه العبارة وصف سمو الأمير بندر بن سلطان رئيس الاستخبارات العامة وسفير المملكة في واشنطن - سابقاً - مضمون تقرير الاستخبارات المركزية الأمريكية عن جريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول.
وقال سموه في حديث مع موقع أساس ميديا: لم يحمل مضمون التقرير أي جديد عما سُرّب في السابق.. لا بل إن ما حمله التقرير أقل بكثير مما قيل إنه سيصدر.. لم يطرح أمام الرأي العام أي دليل حسي، كرسالة نصية أو اتصال أو مقطع صوتي أو فيديو، يثبت أنّ الأوامر بالقتل صدرت عن الأمير محمد بن سلمان.وأشار سموه في سياق تعليقه على أن تقرير الـ«CIA» هو «تقييم»، كما وصف نفسه، وليس لائحة أدلة .. و«التقييم» قاد واضعي التقرير إلى الاستنتاج، بناءً على معرفتهم بآليات اتخاذ القرار في السعودية ، وتقييم آخر لشخصية الأمير محمد بن سلمان، إلى أن أمر القتل أو الاختطاف لا بد أن يكون قد صدر عن الأمير محمد.. وهنا ضعف آخر يعتري القيمة المعلوماتية لتقرير الـ«CIA»، إذ إنه لم يستطع الجزم بطبيعة النية الجرمية، ما إذا كانت الخطف أو القتل.
وأضاف سموه في تغريدات له على حسابه الشخصي في تويتر، إلى ذلك أن المحكمة الدولية في جريمة بحجم اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وهي المثال الأكثر سطوعاً على «العدالة الدولية» في مطلع هذا القرن خلصت إلى أن سليم عياش، القيادي في حزب الله، هو المسؤول الوحيد عن الجريمة، من دون إدانة رؤسائه المباشرين في الجهاز الأمني، ولا الأمين العام لحزب الله، بصفته رئيسه الأعلى، ولا الرئيس بشار الأسد بصفته المرجع الأعلى لواقع الأمر المخابراتي الذي كان قائماً في لبنان عند حصول الجريمة، ولا المرشد علي الخامنئي، الذي يتبع حزب الله لامرته، بحسب تصريحات معلنة لنصر الله. وهي الخلاصة التي تؤكد ما قيل عن اتفاق سياسي بين جميع الأطراف الدولية المعنية بتشكيل المحكمة الدولية، بتحييد قادة حزب الله وسوريا وإيران عن مسار المحكمة.
وأبان الأمير بندر بن سلطان أن الجريمة وقعت وأقرّت المملكة بالمسؤولية المعنوية عنها تصريحاً بلسان الأمير محمد بن سلمان، وجرت محاكمة نتجت عنها أحكام بإدانة البعض وتبرئة الآخرين، وأضاف سموه: في السعودية مستوى ثان في التعامل مع مثل هذه القضايا يتصل بموقف عائلة الضحية، التي في حالة المرحوم جمال خاشقجي طلبت بكامل إرادتها أن تخفف الأحكام من الإعدام إلى المؤبّد، وهذا ما حصل، ولو لم يطلبوا ذلك لكانت أحكام الإعدام نُفّذت بحسب القضاء والشرع.
وقال سموه: هذا هو السياق العام والموضوعي لكيفية تعامل السعودية مع هذه الجريمة التي آلمت كل السعوديين، أما ما بقي من تقارير وكلام إعلامي وسياسي فجُلّه دخل في منطق التحليل والتقييم والافتراض وبناء الاستنتاجات، وغالباً وفق أحكام مسبقة ومواقف عقلية ونفسية وسياسية من المملكة عامةً، وهي مواقف متبلورة منذ ما قبل الجريمة وربما وجدت في الجريمة فرصة للتعبير عن نفسها».
ويضيف الأمير بندر أن السعودية، وفق حقّها السيادي ومسؤوليتها كدولة وكعضو شرعي في المجتمع الدولي، قامت بما تقوم به أي دولة من تحقيق ومحاكمة وأحكام، ومن وجهة نظري الشخصية باتت القضية مغلقة ما لم تظهر أدلة جديدة أمام القضاء السعودي.
ويستذكر الأمير بندر حوادث كثيرة انطوت على جرائم ارتكبها ضبّاط كبار أو جنود أمريكيون، في سياق عمليات عسكرية أو أمنية حاصلة على جواز من أعلى السلطات الأمريكية، بيد أن ذلك لم يعن أن المسؤول عن هذه الجرائم هو الرئيس الأمريكي بوصفه القائد الأعلى للقوات المسلحة.
وتابع سموه بالقول: خذ مثالاً على ذلك حادثة سجن أبو غريب.. فكرة السجون السرية أو تغيير قواعد التحقيق مع الإرهابيين بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، هي سياسة أمريكية أجازتها السلطات الأمريكية، وولدت من رحم التفكير في الدائرة الضيقة للرئيس جورج دبليو بوش يومها ووزير دفاعه دونالد رامسفيلد وبعض المستشارين الرفيعين في الإدارة.. وفضيحة سجن أبو غريب التي نتجت عن هذه السياسة، المُجازة من الرئيس مرة أخرى، كانت شذوذاً عن مقاصد هذه السياسة، وخللاً خطيراً في إدارتها.. ولكن لنسأل، هل وفق ما نعرفه اليوم عن كيفية ولادة هذه السياسة، وآلية اتّخاذ القرار بشأنها، ودقة متابعتها من أرفع المسؤولين في مجتمعي الاستخبارات والدفاع الأمريكيين، فهل يعني ذلك أن الرئيس الأمريكي أو وزير دفاعه، مسؤولان مباشرة عن الجرائم بالمعنى الجنائي؟»... «بالطبع لا» .. لكنهما يتحملان المسؤولية المعنوية نفسها التي تحملتها الدولة السعودية بكل شجاعة.
ويذكّر الأمير بندر بن سلطان أن الولايات المتحدة لطالما تمسّكت بحقها السيادي في رفض محاكمة جنود أمريكيين أمام قضاء غير القضاء الأمريكي، حتى قضاء الحلفاء، كما في حادثة شهيرة مع بريطانيا.. وأكد سموه أن الأصل في هذا الموقف هو الاعتبار السيادي للدولة وليس الثقة أو عدم الثقة في القضاء الآخر.
وأضاف سموه أن السعودية وفق حقها السيادي ومسؤوليتها كدولة وكعضو شرعي في المجتمع الدولي، قامت بما تقوم به أي دولة من تحقيق ومحاكمة وأحكام، ومن وجهة نظري الشخصية، باتت القضية مغلقة ما لم تظهر أدلة جديدة أمام القضاء السعودي.
وأكد سموه أن كل استثمار في قضية مقتل المواطن جمال خاشقجي هو استثمار سياسي، يتم وفق حاجات أو مواقف سياسية وهذا أمر لم ولن يكون غريباً على العلاقات الدولية، وكل دولة تتفاعل معه وفق مصالحها السياسية والأمنية والدبلوماسية.