فدوى بنت سعد البواردي
يتبادر في ذهن الكثيرين، القلق وأحيانًا الرفض، حين يبدأ الحديث عن الذكاء الاصطناعي. ولا شك أن الذكاء الاصطناعي قد اختلط ببعض المفاهيم الاجتماعية غير الدقيقة، مثل الاستغناء عن البشر في الأعمال، ومفاهيم أخرى يشوبها شيء من الخيال السلبي مثل إمكانية وقدرة الذكاء الاصطناعي على التطور الذاتي ومحاربة البشرية مستقبلاً، وذلك حسب ما تعرضه بعض وسائل الإعلام خاصة أفلام الخيال العلمي الهوليودية.
وللحديث عن المخاوف تجاه الذكاء الاصطناعي وسُبل تجاوزها، ينبغي أولاً أن نذكر الأنواع المختلفة لكل من الذكاء البشري والذكاء الاصطناعي. ومن ثم سوف نذكر بعض أسباب أهمية وجود الذكاء الاصطناعي جنباً إلى جنب مع الذكاء البشري.
بدايةً، الذكاء البشري ليس نوعاً واحداً، بل تسعة أنواع. ويملك كل إنسان بعضاً منها، وهي: الذكاء المنطقي التحليلي، والذكاء اللفظي التعبيري، والذكاء البصري، والذكاء الجسدي الحركي، والذكاء الموسيقي، والذكاء الوجودي الفلسفي، والذكاء الداخلي تجاه فهم النفس لذاتها، والذكاء الشخصي تجاه فهم الآخرين، والذكاء تجاه الطبيعة وخلق الله سبحانه وتعالى.
ومن جهة أخرى، توجد أربعة أنواع من الذكاء الاصطناعي، غير البشري. النوع الأول هو «الذكاء التفاعلي المحدود»، أو ما يُعرف بمصطلح Reactive، وهذا النوع يماثل ذكاء لاعبي الشطرنج، فهو يعتمد على الفعل وتنفيذ ردة فعل فورية تجاهه، وذلك حسب ما أقره سيناريو البرمجة المُعد له تماماً. وهو لا يملك ذاكرة مسبقة ولا يملك القدرة على التعلم المستقبلي، ويُعد أبسط أنواع الذكاء الاصطناعي.
أما النوع الثاني، والذي تم التوصل إليه وتنفيذه أيضاً في عصرنا الحالي، هو «الذكاء الاصطناعي محدود الذاكرة» أو ما يعرف بمصطلح Limited Memory. ومن أمثلته: السيارات ذاتية القيادة، وروبوتات الإنقاذ، وروبوتات الأعمال المنزلية والمهام الأخرى، وكذلك الأجهزة الذكية التي تقوم على «التعلم الآلي» من خلال إدراك وتحليل البيانات، ثم «التنبؤ المستقبلي» لنتائج مؤشرات الأداء التي يتم قياسها وكذلك معرفة وتحديد المخاطر المحتملة، وهو ما يُعرف بمصطلحات Machine Learning وPredictive Analysis تباعاً، ويتم استخدام هذا النوع من الذكاء الاصطناعي بكثرة في يومنا الحالي في العديد من المجالات.
كما وأنه يوجد نوع ثالث من الذكاء الاصطناعي، وهو نوع تم التفكير به والتخطيط له، ولكن لم يتم تنفيذه بعد. وهذا النوع «معتمد على العقل والقدرة على فهم الأفكار والمشاعر»، أو ما يُعرف بمصطلح Theory of Mind، كما أنه يتمكن لاحقاً من التفاعل اجتماعياً من خلال ذلك الفهم للعقل البشري. وقد بدأت بعض الدراسات والتجارب لتنفيذ ذلك النوع من الذكاء الاصطناعي، وكمثال لذلك هو التجارب الحالية الشهيرة لإيلون ماسك، رجل الأعمال ومؤسس شركتي تيسلا ونيورالينك، من خلال زرع شرائح ذكية داخل المخ تستطيع قراءة العقل عن طريق بث واستقبال الإشارات منه وإليه، ومن ثم تهدف بهذا إلى علاج مرضى اضطربات الدماغ وتحسين وظائف الجسم ذات الصلة مثل البصر والذاكرة والسمع وغيرها. وقد لاقى إعلان تلك التجارب الكثير من ردات الفعل حول العالم، ما بين مؤيد ومعارض لها.
والنوع الرابع والأخير من الذكاء الاصطناعي، والذي لم يتم تنفيذه كذلك بعد، يُعد امتدادًا للنوع الثالث السابق ذكره، وهو «الذكاء الخارق ذاتي الإدراك»، ويعرف بمصطلح Self-Aware، والذي يتمكن ليس فقط من فهم الأفكار والمشاعر داخل العقل البشري، بل والتنبؤ بها مسبقاً من خلال الاستفادة من الخبرات المكتسبة والتعلم الآلي المتطور والتخطيط المبكر للتعاملات الذكية حيالها. وهذا النوع الرابع من الذكاء الاصطناعي يُمثل قمة الطموح العلمي من خلال جعل الآلة الذكية أقرب ما تكون لمقدرة العقل البشري في الاستيعاب والتواصل والتكهن والفراسة. وهو يُعد حلماً للعلماء، وأيضاً مصدر قلق للكثيرين.
والآن.. وبعد ذكر الفروقات أعلاه بين أنواع الذكاء البشري والاصطناعي.. نأتي للإجابة عن أسباب ضرورة وجود الذكاء الاصطناعي..
من أهم تلك الأسباب هو أنه وكلما ازداد ذكاء الأجهزة والخوارزميات في تحليل الكم الهائل من البيانات المتوفرة في شتى المجالات العلمية والطبية والبيئية والأمنية والمعاملات التجارية وغيرها، ازداد كذلك إدراك وذكاء البشر، وأصبح اتخاذ القرارات الإستراتيجية أدق وأسرع وأكثر فعاليةً وتأثيراً. كمثال، تم مؤخراً استخدام الذكاء الاصطناعي في تقييم ومعرفة المعاملات البنكية والتجارية التي يوجد بها احتمالية كبيرة للفساد المالي، وتم التحليل والتكهن بذلك في وقت قصير وبسرعة كبيرة، وغيرها من الأمثلة التي تعود بالفائدة العظيمة للإنسان والمجتمع.
وكذلك، تم استخدام الروبوتات والدرونز الذكية في العديد من عمليات الإنقاذ، في حالات الحرائق والزلازل والبراكين وغيرها، من خلال الوصول إلى الأماكن الخطرة أو المرتفعة أو الضيقة، والتي لا يستطيع الإنسان الوصول إليها من دون المخاطرة بحياته، وذلك يُعد من أهم تطبيقات الذكاء الاصطناعي لخدمة البشرية.
ومن الجدير بالذكر إيضاً، أن الوظائف المتكررة والروتينية، والتي قد يتم فيها الاستغناء عن العنصر البشري والاستبدال بالآلات الذكية، هي ذاتها تتيح مجالاً أكبر للإنسان لأن يعمل في وظائف مستجدة أخرى ذات صلة، وقد تكون فعلياً أكثر قيمة وفائدة واكتساباً للمهارات، مثل وظائف التدريب على استخدام هذه التقنيات الحديثة وطرق الاستفادة القصوى من سرعتها وقدرتها على التحليل، وكذلك يتم التركيز على وظائف الإشراف على جودة المدخلات وتطوير سير العمل، والتركيز أيضاً على الوظائف الإدارية الأخرى والتي تساعد على التخطيط المبكر والابتكار وإدارة التغيير واتخاذ القرارات الصائبة من خلال الاستفادة من تلك التقنيات الذكية التي اختصرت الكثير من الوقت والجهد في التنفيذ البشري للأعمال الرتيبة. بمعنى آخر، الذكاء الاصطناعي يستبدل بعض الوظائف بأخرى أكثر كفاءة.
وأخيراً وليس آخراً، الذكاء الاصطناعي ليس بديلاً عن الذكاء البشري، وإنما هو مساعد وعنصر مكمل له، وتوجد وظائف كثيرة لا يمكن الاستغناء فيها بتاتاً عن العامل البشري. وهناك مقولة شهيرة لأحد العلماء البارزين في مجال التقنية، وهو العالم «ألان كاي»، الحائز على أعلى جائزة دولية في علوم الحاسب منذ سنوات قليلة، وهي:
«يشعر بعض الناس بالقلق من أن الذكاء الاصطناعي سيجعلنا نشعر بالدونية والانتقاص من أهميتنا كبشر، لكن وبهذا المفهوم نفسه، سوف يعاني أي شخص من عقدة الخوف ذاته في كل مرة ينظر فيها إلى زهرة».
وذلك يعني أن التواجد لكلا النوعين من الذكاء، البشري والاصطناعي، متاح وممكن في حال تم التكامل والتنسيق بينهما، وذلك من أجل منفعة البشرية والارتقاء بجودة الحياة.