عبدالرحمن سليمان السويد
أقول إن تعزيز الصحة خير من الوقاية Health Promotion is better than Disease Prevention. ويسعى كل نظام صحي في العالم إلى تحقيق أربعة مرتكزات، أولها سهولة الحصول على الخدمة دون عوائق، والثاني تحقيق الكفاءة التي تجمع جودة الخدمة نحو الاستخدام الأمثل للموارد، وثالثًا ترشيد التكاليف، ورابعًا بناء علاقة مبنية على مبدأ الثقة بين أطراف التأمين وعارض الخدمة وطالب الخدمة ومشتري الخدمة وإدارة مراجعة الاستخدام TPAs والجهات الإشرافية. وقد سعت كل من فرنسا وبريطانيا ودول أوروبا وبعض الدول الإفريقية لدراسة نظام الرعاية الصحية المرشدة managed health care MHC. إن جذور الرعاية المرشدة الحديثة تعود لما يعرف بالخطط الصحية مسبوقة الدفع في القرن التاسع عشر الميلادي. لكن كما أشرنا في المقدمة، العديد من المفاهيم المستخدمة هذه الأيام انبثقت في العصور القديمة. فقد كان للبابليين نظام مشابه في كثير من جوانبه لنظام الرعاية المرشدة المعمول به حاليًا؛ لذا كان لزامًا علينا التعرُّف على سيرة حمورابي تمهيدًا لفهم نظمه ودراسة قوانينه، ولكن في مقالة قادمة.
وفي القرن العشرين تم تطوير مفهوم الرعاية الصحية المرشدة خلال المرحلة الرابعة للنهضة الصحية الأمريكية التي تميزت بـ:
- محدودية الموارد.
- قيود على النمو.
الأمر الذي تطلب الحاجة للتحوُّل Transformational من النظام التقليدي إلى نظام السوق، والعمل على إعادة هيكلة الجهاز الصحي كاملاً، وبالذات في مجال التمويل والوسائل وأسلوب تقديم الخدمة.. بل إن الرعاية الصيدلانية انضمت إلى MHC، واستطاعت الرعاية المرشدة أن تخفض عدد المستشفيات إلى 1600 مستشفى منذ عام 1975م حتى 2016م، بل إن منظمات HMCOs تغطي تعزيز الصحة والوقاية من المرض، بل تغطي تكاليف علاج الأمراض العقلية.
كما تمكنت منظمات الرعاية الصحية المرشدة من إيجاد نماذج عدة، مثل منظمات المحافظة على الصحة HMOs، ونقاط الخدمات POSs، ومنظمات الطبيب المفضل PPOs. ويبلغ مشتركو هذه البرامج أكثر من 76 % من المجتمع الأمريكي؛ إذ إن برامج MHCOs مفصلة حسب احتياج الفرد.
وهنا لن أتحدث عن آخر ما توصلت إليه العلوم والممارسة الطبية والصيدلية والتأمين من رفع مؤشر تفاعلي عن جودة حياة خدمة الإنسان من خلال الرعاية الصيدلية؛ إذ إن رؤية المملكة 2030 تهدف إلى زيادة العمر المتوقع للمواطنين من 74 عامًا إلى 80 عامًا. وقد علق الكاتب عبد الله البرقاوي في مقالة، نُشرت في صحيفة سبق في 3-02-2018هـ، على ذلك، وذكر مؤشرات صحية نقلاً عن تقرير إحصائي حديث. كما أوضحت وزارة الصحة أن متوسط العمر في المملكة خلال العام الماضي بلغ 74.3 عامًا متجاوزًا المعدل الإقليمي بـ(6) سنوات والمعدل العالمي بـ(4) سنوات، وأن نسبة السكان في المملكة للفئة العمرية أقل من 15 سنة بلغت 29.12 %، وهي أدنى منها في إقليم شرق المتوسط بـ34 %، ولكن أعلى من النسبة المبلَّغ عنها عالميًّا بـ27 %. فيما بلغ معدل المواليد الخام لكل 1000 نسمة (21) مولودًا، وهو الأدنى من المعدل الإقليمي بـ(31.4)، والعالمي بـ(24.3). ولدي بحث عن الكفاءة الإنتاجية منذ 1949م حتى 2019م، وتبيّن أنه من عام 1996م حتى 2019م كلما زادت الموارد ارتفعت التكاليف. فعلى سبيل المثال، تبلغ تكلفة زيارة الطبيب الرمزية 1004 ريالات، كما في حال زيادة القوى العاملة من الأطباء تقل مشاهدة الطبيب للمرضى يوميًّا. ولكن من مبدأ إمكانية الوصول إلى المعرفة أو الحقيقة فسوف أتطرق عبر المقالة لمجموعة من العوائق رغم انخفاض الفرص الضائعة والعمل خلاف مبدأ الدور في الإدارة.
ومن المفيد في هذه المرحلة التاريخية التي تتطور فيها الأنظمة أن نستلهم من ماضينا العبر، وأن نساهم في الجهود التي تبذل لتثبيت سلطة القانون وسيادة الدور الحضاري لوزارة الصحة، ودورها في التأمين والرعاية FDAS.
كانت الرعاية الصحية قبل إقرار برامج الرعاية الصحية المرشدة managed health care - أي عام 1975م - قد عانت من معوقات كثيرة، ولكن المشاكل تتلخص في صعوبة الحصول على الخدمة، ارتفاع التكاليف، تدني جودة الخدمات الصحية، وفقدان الثقة.
هذه العوامل الأربعة أجمع عليها أكثر من مئة باحث تم الاطلاع على دراساتهم، من بينهم نذكر: اليود باول، وليام تورنيز، ووكونسقتيد، وعساف العساف.. إلخ.
وبعد تطبيق مفهوم الرعاية الصحية المرشدة انخفضت تكاليف التنويم بنسبة 25 %، وازداد معدل الزيارات بنسبة 18 %. ومع تطبيق الأنظمة الاكتوارية، والعمل وفق المبادئ الثمانية لوليام تورنيز، تم استعادة الثقة بين كل أطراف التأمين.
ومع أن الولايات المتحدة تُعد أقوى نظام صحي في العالم من حيث الاستجابة وجودة العمل, وأمريكا أيضًا أقوى نظام تأمين، فمع ذلك في ديسمبر 2011م قام المدير المنتهية ولايته للمراكز الصحية والطبية الدكتور دونالد برويك بتقديم مجموعة من المعوقات، منها أن هدر الموارد يتراوح ما بين 20-30 % بسبب المبالغة بالطرق العلاجية, وعدم تنسيق الرعاية الصحية مع التعقيد الإداري لنظام الرعاية الصحية؛ إذ إن هناك لوائح وقواعد مرهقة, واحتيالات, وهناك 3-10 % من مجموع النفقات مزورة، إضافة إلى 65 بليونًا مدفوعات غير آمنة في برنامجي المسنين وغير القادرين، تنطوي على احتيالات وأخطاء.
وفي عام 2007م شكلت وزارة العدل والخدمات الإنسانية والصحية في أمريكا قوة ضاربة لمكافحة الاحتيال من خلال تحليل البيانات، ووضع السياسات المجتمعية. وبدءًا من مايو 2013م قامت القوة الضاربة باكتشاف 1500 شخص لديهم فواتير مزورة لأكثر من 5 مليارات. وتتمثل تلك العمليات في هيئة رشاوى kickbacks، وغسل أموال. وكان مخططهم الاحتيالي على الخدمات غير الضرورية طبيًّا. كما تبذل الحكومة جهودًا للحد من الاحتيال؛ إذ تم استعادة 4.2 بليون من وزارة العدل وFBI في عام 2012م، وتطبيق عقوبة السجن المؤبد، والاستعانة بمتطوعين مدربين وتقرير الاحتيال.
وبالرغم من أن فرنسا وكندا وبريطانيا ما زالوا مبهورين بنجاح الولايات المتحدة في الاستجابة وتعدد الخيارات وعلاج الأمراض المزمنة فإن السؤال الأخير: إذا الولايات المتحدة عانت من التلاعب والاحتيال في نظام التأمين، وهي التي تملك التقنيات والأدوات الحديثة للحد من سوء استخدام الخدمات الصحية، فكيف هي بلدان العالم الثالث بشكل عام والدول الخليجية على وجه التحديد؟ وللمقالة بقية.