علي حسين العواجي
لو رجعنا إلى تاريخ أي أمة لوجدنا أن تاريخها لا يتغير بالثورات الفوضوية، فها هي أوروبا في القرون الوسطى كانت تعيش ما بين جهل الرعية وتسلط الحاكم ورجال الدين، حتى حدثت الثورة الفرنسية والتي من خلالها بدأ العالم يتغير بأسره. وأعني بذلك أن فرنسا لم تتغير بالثورة بل تحوَّلت إلى فوضى عارمة في البلاد وأصبحت فرنسا كلها في مهب الريح، حتى جاء القائد الشاب الذي غيَّر ليس فرنسا فقط بل غيَّر أوروبا بأسرها، إنه القائد العظيم نابليون. فهو من وضع الدستور الفرنسي وأوقف محاكم التفتيش بإسبانيا، وجرَّد رجال الدين من صلاحياتهم. وحتى مصر بالرغم من مساوئ حملته الاستعمارية لها فإن له الفضل في تطورها في العصر الحديث، ولا تستغرب من محاربة الغرب له قبل غيرهم لأنه سنَّ قوانين تتعارض مع مصالحهم. فاتفقوا عليه وهزموه ونفوه إلى جزيرة ألبا الواقعة على طريق الساحل الشمالي لإيطاليا، ولكن الشعب الفرنسي لم يتنازل عنه بسهولة لأنهم ذاقوا العزة والحرية والتقدم في عهده، وهو لم يأت بالديمقراطية والانتخاب بل كان ضابطًا بالجيش، ولكن طموحه كان أكبر ممن كانوا في عصره. لذلك خلق له عداوة وحسادًا، وإن أسقطوه فإنهم لم يسقطوه من قلوب شعبه، فهذا قوس النصر والشانزليزيه شاهدان على بصماته، رغم أنهم جندوا الحملات ضده وزادوا من محاربته وكره الغرب له حين حاول تغيير أفكار العالم العربي والإسلامي، وخاصة حين قام بغزو مصر وكانت تحت وطأة الجهل في عهد المماليك والعثمانيين. فتوجه الأسطول البريطاني لتدمير أسطول نابليون في البحر المتوسط بمعركة أبي قير البحرية، وذلك ليس محبة للعالم الإسلامي وخوفاً عليه من الاستعمار، بل لأن نابليون بدأ ينقل العلم إلى الشعب المصري العظيم. والدول الغربية خير من يعرف أن بيئة الدين الإسلامي السمحة إذا وجدت من يزرع فيها العلم والمعرفة ستصبح قوتها بمنزلة تهديد للقوى الاستعمارية. وهذا ما أقلق الغرب حينها.
واليوم ها هو التاريخ يعيد نفسه من هذه البلاد التي خرج منها رجال غَيَّروا العالم بنشر الإسلام وما تم من فتوحات غير استعمارية، هدفها نشر الدين والمبادئ والقيم، حيث إنهم وصلوا للصين وحدود باريس، وحين تولى السيطرة عليهم الجنس الفارسي الحاقد والتركي الجاهل بعد الدولة الأموية أصبحت دولاً تُحكم باسم الدين وآل البيت حتى تدهورت هذه الدول وأصبح الجهل والخرافات سيد الموقف بها، وجلبت على العالم العربي من الجهل والتخلف ما تعدى في عهد الدولة العثمانية وأوروبا في القرون الوسطى. وخرجت من بطن الصحراء دولة عربية إسلامية تعيد المجد العربي والإسلامي باسم الدولة السعودية، والتي بدأت بذرتها باتفاق الدرعية. لكنها لم تسلم من حقد الحاقدين عليها، فراحوا يعملون على تشويه هذه الدولة أمام العالم بكل الوسائل وخاصة من قبل العثمانيين الحاقدين، ولكن يأبى الله ومحبة الشعب بأن يسقطوا حكامها من قلوب شعبهم، ولأن هذه الدولة في قلوبنا ولها أكثر من 250 عاماً وحتى من قبل نابليون، فسوف تبقى في قلوب أجيالنا لا يغيرها ولا ينزعها منهم إلا الله، وما يغيض الغرب اليوم وخاصة قادة أمريكا أنهم يريدون شعوبًا كالأنعام يسودها التخلف والانقياد الطائفي ومن يحكمهم لكي يبعدوا الشعوب عن التفكير بالتقدم العلمي والصناعي ويجعلونا رهن تاريخ قديم، نبكى عليه ونتبع خرافة الثائر من قتلة وانتقام من ظلم وأن لا ننظر إلا لما هو أقل من طموحنا ومستقبلنا وتطوير عقول أطفالنا بالعلم والمعرفة بعيدًا عن خزعبلات الماضي، التي جرت إلى الأهوال والحروب والتناحر التي أشغلتهم عن عدوهم الحقيقي بأنفسهم.
ولا تتوقعوا أن حملة أمريكا على سمو الأمير محمد بن سلمان ليس لها من هدف، فهم يعرفون من هو محمد بن سلمان، ذلك الرجل النادر في عصره والذي لم تشغله خزعبلات الماضي التي يخدرون بها الشعوب، بل إنه شاب ينظر إلى الأمام دون أن يقف في طريقه ما يعيق برنامجه الطموح، ولذلك خلقوا له عقبات كيدية لكي يجندوا العالم ضده بخطأ لم يصدر منه، بل بسوء تدبير مِن غيره، والخطأ وراد بأي عمل، ومن لا يخطئ لا يعمل أصلاً، وكنا نتوقع أن رئيس أعظم دولة سيفتتح بداية ولايته بالاهتمام بأكثر من نصف مليون أمريكي راحوا ضحية سوء الرعاية الطبية في أمريكا، وهذا العدد لم تفقده أمريكا خلال الحرب العالمية الأولى والثانية، وكنا نظن أن أهم ما سوف يشغله التفوق في الميزان التجاري لصالح الصين، والذي أصبح مستقبل أمريكا مهددًا من الصين كقوة اقتصادية سوف تقود العالم، وكنا نظن أنه سيبدأ ولايته بالتشديد في سباق التسلح مع روسيا التي تفوقت على أمريكا وخاصة بالصواريخ عابرات القارات، وكنا نتوقع أن يركز على المد الإيراني وقتله للأمريكان بالعراق، ولكن فوجئنا بأن بدأ ولايته بإخراج سجينة سعودية وقتل صحفي سعودي.
فلله درك يا محمد بن سلمان، كيف وضعت هذا البلد بهذا المستوى من الأهمية ما يفوق الدول العظمى والكوارث، وانتظرنا الأدلة التي سوف تُنشر من قبل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) أن تكون دامغة ولا فصل فيها، حيث إنها صدرت من أهم جهاز استخباراتي بالعالم كما تزعمون، وأصبحت مبنية على سوء الظن والاعتقاد وقوة هيبة الأمير محمد، أما الأسماء فللأسف لا تتعدى أسماء الناجحين والراسبين في إذاعة طامي -رحمه الله- في بداية الستينات من القرن الماضي، وأصبحت هذه الدلائل تدل على قوة ومكانة سمو الأمير محمد مما جعلنا نتمسك ونفخر به، فحين وقع الخطأ لم يجامل أحدًا بل حاسب المخطئ أمام العالم بكل ثقة ولم ينتظر توجيهًا من أحد، فإذا كانت أمريكا ستطالب بحقوق صحفي سعودي توفي إثر خطأ حدث في التعامل معه وتوفي على أرض سعودية وهي قنصلية المملكة العربية السعودية بتركيا وقامت المملكة بالإجراءات القانونية كاملة أمام العالم، فإن كنت تتكلم عن حقوق الإنسان فأين حقوق الإنسان من تاريخ أمريكا الأسود الدموي، فمهما كان هذا العمل لا يمكن أن يصل إلى ما فعلته أمريكا بالمواطنين الأمريكيين، ومهما كان العمل لا يقارن بما فعلته أمريكا بهيروشيما ونكازاكي، حيث قتلوا مئات الآلاف من الأطفال والنساء والأبرياء بحجة الدفاع عن أمريكا وهي تبعد آلاف الكيلو مترات عنها ولم يرحموا طفلاً يحمل دروسه متوجهًا لمدرسته، ولم يرحموا شيخاً عاجزاً، وأين أمريكا من حرب فيتنام العبثية، والتي كان ضحاياها شعوب مستقرة آمنة مطمئنة تبعد آلاف الكيلو مترات عن أمريكا، وأين أمريكا من قتل أطفال فلسطين كل يوم ودعمهم للمغتصب الصهيوني والمذابح التي حدثت للفلسطينيين كصبرا وشاتيلا ودير ياسين والحرم الإبراهيمي وغير هؤلاء، أليس هؤلاء بشر مثل جمال خاشقجي، وأين هم من أطفال سوريا الذين يغرقون في البحار هرباً من الاضطهاد الإيراني السوري، وأين أمريكا من أطفال العراق الذين يئنون تحت وطأة الطائفية والجوع، وأين محاكمة من قتلوا في سجن أبو غريب، وأمريكا هي من دمر العراق بحجة لا تختلف عن فيلم وقصة خاشقجي المزعومة، وأين حقوق الإنسان من شعب عربستان في الأهواز الذي تسومه إيران سوء العذاب.
فلتعلم أمريكا أننا في عهد الملك سلمان ومحمد بن سلمان، تعلمنا عن خطط أمريكا الديمقراطية الفاشلة الشيء الكثير، فلم يتدخل الغرب في أي بلد لتغيير الحكم إلا جاءوا بالأسوأ منه، انظر إلى أغلب الدول العربية كنموذج كيف كانت تعيش في عهد الملكية وكيف هي اليوم، وانظر إلى العراق كانت جنة العالم بالعلم والموارد والبشر بلا منازع وانظر لها اليوم، وكذلك ليبيا وسوريا والسودان، فما نقول نحن شعب وحكومة لنا خصوصيتنا ولنا ثوابت لا يمكن أن نتنازل عنها لأجل الغرب أو غيره، فولي أمرنا هو الأساس باستقرارنا، ولنا عادات وتقاليد اجتماعية لا يمكن التنازل عنها بحجة التحضر والتقدم، بل سوف نجعلها حافزًا لذلك، فنحن مملكة يحكمها ولي أمر واجبة طاعته بما يرضي الله ورسوله، وأسر ومجتمع مترابطة اجتماعياً بعادات وتقاليد نحترم بها كبيرنا من احترام ولي أمرنا، ونقدر صغيرنا يما تمليه علينا عاداتنا وتقاليدنا.
أين حقوقكم المزعومة التي فضحتها كارثة كورونا وأغلب من مات في دور المسنين لعدم وجود اهتمام بهم، ونحن -ولله الحمد- حين حصلت جائحة كورونا حكومة وشعباً صار اهتمامنا بكبار السن أكثر من غيرهم، وما تنظيم التطعيم وأخذ الجرعات إلا خير دليل على ذلك، فكبير السن مقدم على غيره مهما كان جنسه أو جنسيته، فنحن مجتمع أُسس على الترابط الاجتماعي، لنا عاداتنا الخاصة وليس لأي مخلوق حق التدخل فيها بحجة ظاهرها العدل وباطنها الخراب، فكيف تتجنون على ولي أمرنا وتريدوننا أن نكون شعبًا كالأغنام، وأنتم حينما فشلتم في التأثير على شعبنا بدأتم في التجني على رموزنا وولاة أمرنا، ولتعلم أمريكا أن كرامة العربي صدرت من هذه الصحراء، فلتقرؤوا التاريخ. حين أراد كسرى إذلال العرب والتجني على قائدهم قامت قبيلة واحدة بهزيمتهم شر هزيمة في ذي قار، ولتعلم أن الشعب السعودي هم أحفاد أولئك الذين هزموا كسرى وقيصر، فكرامة العربي غالية، وتقام الحروب من أجل الكرامة والعزة، ونحن تحت حكم يحفظ كرامتنا وعزتنا. ونحن مجتمع مترابط يسوده المحبة المستمدة من شرعنا الحنيف، وليس منا من لم يقدر كبيرنا ويعطف على صغيرنا، فكفانا دروسًا تنظيرية هدفها تصفية حسابات سياسية فيما بينكم وتقحمون فيها رموزنا وتظنون أننا شعوب لا نعرف حقيقة أهدافكم، فهدفكم رموزنا بل وهدفكم تخريب هذا البلد بحجج واهية وانتقامكم من خصومكم الداخليين، لكن شعب هذا البلد شعب واعٍ لم يستعمره مستعمر ولم يخضع لأي قوة خارجية، نلتف حول ولاة أمرنا ونكون في الشدة أكثر لُحمة حول حكومتنا من وقت الرخاء.
فمحمد بن سلمان نفديه بأرواحنا ولن نستمع لأي صوت يفتت اللُحمة الوطنية ويجعلنا بلدًا متخلفًا تحت تأثير التفرقة الطائفية والعنصرية البغيضة، فقد أُسس هذا البلد بأنظمة عادلة تتطور مع تطور الزمن، فنحن أحفاد هاني بن مسعود هازم الفرس والسمؤل الطائي والذي قُتل ابنه أمام عينيه ولم يفرط في كرامته في عهده، ونحن أحفاد خالد بن الوليد وسعد بن أبي وقاص -رضي الله عنهم- يفقدون أرواحهم دون شرفهم وكرامتهم، وحكامنا في قلوبنا لا نرضى أن يمسهم أحد، فهم رمز كرامتنا وعزتنا، ولم يضيع الشعوب التي دمرها الغرب إلا أنهم تخلوا عن رموزهم الذين كانوا يعتزون بهم فذلوا وشردوا وذهب عنهم الأمن والرخاء. ولسنا بحاجة إلى من يعلمنا كيف نعيش بأمن ورخاء، فكلها موجودة وما ترمى إليه أمريكا ليس سوى الفوضى كما في الخريف العربي.
** **
Saudi-46@hotmail.com