د.بكري معتوق عساس
الوحدة قوة منيعة تصدُّ أشدَّ الأخطار، والتعاون أساس صلب في بناء الأسر والأوطان. حدثتنا العِبَر، وشاهدْنا كثيراً من الأسر والأمم، كانت تسبح في بحر نعمة التضامن، وتستظلُّ تحت سماء فضل الاتحاد، ولما عصفت بينها ريح التفرقة والبغضاء تبدَّل عزُّها ذلَّا، وهناؤها شقاء وويلا. وقد جسَّد المثل العربي هذه الصورة، فقيل: «أُكِلت يوم أُكِل الثور الأبيض».
عن هذا المثل حكاية، يقال: إنه كانت تعيش في إحدى الغابات ثلاثة من الثيران؛ الأول لونه أحمر والثاني أسود والثالث أبيض. وكان يعيش بالقرب منها أسد مفترس، يفكر كلما أحسّ بالجوع في افتراسها، إلا أنه كان يخشاها، لأنها كانت تعيش معاً متعاونة وكأنها ثور واحد لا ثلاثة!
فكر الأسد في طريقة لافتراس الثيران، وبعد انتظار اقترب من الثورين الأحمر والأسود وانفرد بهما وقال متصنعاً اللطف والطيبة: إن وجود الثور الأبيض بيننا يُضر بنا كثيرا، فلونه الأبيض الجميل يجذب الحيوانات الأخرى إليه ويجعلها تحبه وتصادقه وتبتعد عنّا، فلو أكلتُه لكان في ذلك خير لي ولكم. فقال الثوران الأحمر والأسود: صدقت كُله وأرحنا منه!
فهجم الأسد على الثور الأبيض ليفترسه، فصرخ الثور وطلب النّجدة والمساعدة من صديقيه الثورين الآخرين، ولكنهما لم يلتفتا إليه ولم يُنجداه وأكله الأسد. ومرّت الأيام، وجاع الأسد فقرر أن يفترس ثوراً آخر، فاقترب من الثور الأحمر وانفرد به، متصنعاً مزيداً من اللطف والأدب، وقال له: إن الثور الأسود يُفسِد علينا المكان، فلونه الأسود قبيح، يخيف الحيوانات الأخرى، ويجعلها تبتعد عنّا، فلو تركتني آكُلُه لأقبلت علينا تلك الحيوانات وعشنا جميعاً معاً في هناء وسرور.
وافقه الثور الأحمر على ما قال، وهجم الأسد على الثور الأسود وافترسه، وهو ينظر إلى زميله الثور الأحمر، علَّه ينقذه ولكن الثور الأحمر مشيحاً بنظره بعيداً عنه، وكأن الأمر لا يعنيه. وهكذا لم يبق في المكان سوى الثور الأحمر والأسد، وكان من الطبيعي أن يجوع الأسد، فنظر إلى الثور الأحمر واقترب منه قائلاً: الآن بعد أن أصبحت وحيداً أيها الثور الأحمر سآكلك ولن تستطيع الفرار مني، ولن يحميك أي ثور آخر! عندها أدرك الثور الأحمر أن الأسد خدعه، فقال نادماً وهو بين أنياب الأسد: أُكِلتُ يوم أُكِل الثور الأبيض! انتهت الحكاية.