سلمان بن محمد العُمري
بقدر الله سبحانه وتعالى ومشيئته توقفت حلقات تحفيظ القرآن الكريم كما توقف غيرها من المناشط والأعمال وفي مقدمتها المدارس، وبهذا فات على كثير من البنين والبنات فضل عظيم وفوائد دينية ودنيوية جليلة، ومنها زيادة نسبة الوعي والإدراك وتنمية ملكة الحفظ، وساهمت في التفوق الدراسي والعلمي لحفظة كتاب الله الكريم، وخلافاً لمن يدعي أنها تشغل عن تحصيل العلوم والمعارف، ولا تتماشى مع حاجات العصر والمستقبل، -بحسب نظرتهم القاصرة-، وهذا من التعميم الجائر، وتزداد الحيرة والدهشة من أن المتحدثين عن هذا الأمر هم البعيدون عن تلك الحلقات القرآنية، أو أصحاب هوى.
إن من توفيق الله سبحانه وتعالى أن هيأ لي خدمة القرآن الكريم وأهله من خلال إشرافي على لجان في المسابقات القرآنية لأكثر من عشرين عاماً، وهذا شرف لي أفتخر به وأعتز، وبالذات في مسابقة الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود المحلية منذ أن كانت فكرة، ومسابقة الملك عبدالعزيز الدولية، والإسهام مع المراكز والجمعيات الخيرية القرآنية وخدمتها في برامجها وأنشطتها، ولست بصدد الحديث عن مآثر ومنجزات تلك الحلقات والجمعيات، ولكني سأركز على جانب معين وهو تفوق الحفظة في مسيرتهم الدراسية، ووصلوا إلى مراكز علمية وعملية عليا في الطب، والهندسة، والسلك العسكري، والقضائي، والأكاديمي، والدبلوماسي وغيرها، ولم يكن حفظ القرآن الكريم عائقاً لهم في تحصيلهم وتفوقهم الدراسي.
في دراستي العلمية المعنونة بـ"جائزة الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود لحفظ القرآن الكريم: (عطاء ونماء) دراسة ميدانية"؛ رصدت فيها مسألة تأثير حفظ القرآن الكريم، والذهاب إلى حلقات التحفيظ على التحصيل العلمي المدرسي للطلاب والطالبات، وهل هناك تعارض بين الأمرين.
لقد كانت سعادتي وغيري ونحن نرى حفظة القرآن الكريم متفوقين في تحصيلهم الدراسي، مع وجود من يزعم أن التحفيظ يتعارض مع التحصيل الدراسي، وينشر هذا الادعاء.
لقد أوضحت نتائج الدراسة أن 98.2 % من عينة البنين، أكدوا أن الحفظ لم يتعارض مع التحصيل الدراسي، بل شجعهم الحفظ على الدراسة، وساعدهم على التفوق، في حين أن عيّنة البنات كشفت أن 91.5 أكدن أن الحفظ لم يتعارض عندهن مع التحصيل الدراسي.
ولاشك أن هذه النتائج تؤكد ما نشاهده في الواقع العملي من تفوق الحفاظ في دراستهم الأكاديمية، وعدم التعارض بين الأمرين عملياً، إضافة إلى ما أظهرته دراسات علمية أخرى حول ذلك، وهذا دليل قاطع على بطلان مزاعم أن التحفيظ يؤثر في تحصيل الطلاب، ورد شاف كافٍ على إرجافهم.
ومن هنا دعوت في التوصيات العامة للدراسة إلى العمل على تغيير المفاهيم الخاطئة لدى البعض بأن الدراسة في حلقات تحفيظ القرآن الكريم تمثل عائقاً في التحصيل الدراسي للطالب أو الطالبة، وذلك من خلال أحاديث العلماء والحفاظ، والاستفادة في ذلك من نتائج بعض البحوث والدراسات العلمية؛ مما يعطي هذا النهج قوة، بل إن حفظة القرآن الكريم قد حازوا قصب السبق في التفوق على أقرانهم في التحصيل العلمي وغيره.
والمطلع على الدراسات العلمية والبحثية الأخرى يجدها تؤكد على أن حفظ القرآن الكريم وتلاوته يقوي الذاكرة، ويعزز مهارات القراءة والكتابة لدى الناشئة، ويساعد في تنظيم الوقت وحسن استغلاله، ويضمن النجاح والتفوق في الكبر، ويحفظ لغتنا العربية من الاندثار، وبنفس الوقت وقاية من الأمراض النفسية، فهل نعي الحقيقة؟!
ومع توقف نشاط الحلقات المؤقت في المساجد فعلى الآباء والأمهات أن يعملوا على تخصيص وقت لقراءة القرآن الكريم وحفظه لأبنائهم لينالوا جميعاً بركة القرآن الكريم، ومن سبق له الالتحاق والدراسة في حلق القرآن من قبل فليستفد من المقارئ الإلكترونية للمراجعة ومواصلة الحفظ.
ومن الأخبار السارة لكل مسلم ومسلمة مبادرة الحلقات الإلكترونية بالمسجد الحرام للكبار والصغار (عن بُعد)، ويحق لأي شخص من جميع أنحاء العالم التسجيل وبخمس فترات فتختار الفترة اللي تناسبك؛ فبادروا بالتسجيل وحث غيركم وانشروا الرابط فكما قال النبي صلى الله عليه وسلم (من دل على خير؛ فله مثل أجر فاعله).
https://reg.qm.edu.sa/Minton/Account/Login.