محمد آل الشيخ
يبدو أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يحاول أن يستعيد العقلانية والرصانة، بعد أن اكتشف أن الرهان على الجماعات المتأسلمة سيقوده إلى التهلكة والخسران والإفلاس. كان أردوغان الذي يحلم باستعادة السلطنة العثمانية الفانية قد ظن أنه وجد في جماعة الإخوان المسلمين (بغالا) يركبها لتحقيق هدفه، لذلك ركبهم ليتضامنوا معه، ويمهدوا له الطريق لاحتلال البلدان العربية والسيطرة على ثرواتها، على اعتبار أنها -بحسب زعمه- من (أملاك) دولة الخلافة العثمانية، التي احتلت أغلب بلدان بني يعرب منطلقة من أنها هي من ورثت شرعية (الخلافة)، وأن طاعتها، والانصياع لها، وبالتالي للأتراك الأعاجم هي الامتداد الطبيعي لتاريخ الإسلام في أبهى عصوره. إلا أن أردوغان اكتشف متأخراً على ما يبدو أن تلك البغال أصبحت بغالاً هرمت وأصابتها الشيخوخة، أو أن بعضها مرض، ولم يعد في مقدورها أن تحمل على ظهورها ما يجب أن تحمله. عندها قرر أردوغان على ما يبدو أن يقلب لتلك البغال المنهكة ظهر المجن، وراح (يغازل) مصر لعل وعسى أن يصلح أخطاءه، الأمر الذي اعتبر المحللون والمراقبون أن محاولاته التصالح مع الرئيس السيسي هو في حقيقته (إذعان) واعتراف بفشله، لا سيما وأن احتضانه لتلك الجماعة البائسة المتخلفة قد كلفته سياسيا الكثير، ولم يجن منها إلا القليل، فقرر إصلاح خطئه، والتقرب من السيسي، ومن ثم بقية الدول العربية..
أردوغان بدأ يشعر أنه في حاجة ماسه وملحة لترميم علاقاته، ليس مع مصر فحسب، وإنما مع أغلب بلدان العالم، الذي كان قد حدث بينهم وبينه مناكفات، وكانت من أهم أسباب عزلته التي بدأ يستشعرها، وليس في مقدوره أن يتجاهلها، خاصة وأن أزماته الاقتصادية الملحة ستؤدي به الى الهاوية إذا لم يتداركها ويلتفت إلى سبل إصلاحها، وعليه أن ينسى أحلامه (العثمانية) التي خلقت له من الأعداء والمناوئين ما ليس في مقدوره ولا في مقدور بلاده أن تتحملها.
جميع البلدان العربية الوازنة مثل مصر تعتبر جماعة الإخوان المسلمين هي أهم الأخطار المتغلغلة في الداخل العربي، والتي تعمل بكل جهد على إسقاط كل الدول العربية، على أمل أن تلغي ما يسمونه (الدول القطرية) وإقامة دولة الأمة (دولة الخلافة)، وكانت تركيا قد وفرت لهذه الجماعة الإرهابية التخريبية ملاذاً تجد فيه كوادر الجماعة كل الدعم والحرية بأن يفعلوا ما يريدون. إذعان أردوغان أخيراً يعتبر في تقديري فرصة سانحة وذهبية لسحق هذه الجماعة في مكمنها التركي، لهذا فإن ما نأمله من الرئيس السيسي أن يجعل شرط طرد كوادر الجماعة من تركيا، وإغلاق منصاتهم الإعلامية هناك، الشرط الأول الذي لا يمكن التنازل عنه بأي حال من الأحوال، ولن يملك أردوغان في نهاية الأمر إلا القبول، فليس لدي أدنى شك أن أردوغان قد تيقن أنهم لم يعودوا حصاناً يمكن الرهان عليه بعد فشلهم الذريع في إحداث الربيع العربي، وقد ظهر للجميع أن الرئيس بايدن قد استوعب خطأ الرئيس الأمريكي الأسبق أوباما، ولن يُراهن عليهم ثانية، ليبرز السؤال: لماذا يصر على خيار ثبت فشله، وليس بالإمكان إصلاحه، طالما أن السياسة هي (فن الممكن).
جماعة الإخوان أخيراً هي بين يدي الرئيس السيسي، فهل يضربهم ضربة قاضية لا تبقي ولا تذر؟..
إلى اللقاء