د. حسن بن فهد الهويمل
عندما تكون رأساً - بتوفيق ربك - تكثر آفاتك, ويكثر حسَّادك, ويكثر إيذاؤك, قدَّر الله, وما شاء فعل. يقدِّر لك الفضل, ويقدِّر المنغِّصات, ما كان بودنا أن نكون غرضاً للسهام الطائشة, والمسدّدة. وما كان بودنا أن نكون مَحْسودين, وإن كنا نتمسك بما وهبنا الله, نشكره عليها, ونسأله المزيد, والثبات, والتمكين, والاستقامة على المأمور.
لا نكرهُ العِزَّة, ولا التمكين, ولا التفضيل على الآخرين, ولكننا في الوقت نفسه, لا نود أن تشغلنا عداوات الآخرين عمَّا نود تحقيقه من رفعة, وأمن, واستقرار, وسعادة.
(المملكة العربية السعودية) مستهدفة, تلك حقيقة قلناها مراراً, ولا نزال نرددها, وليست عقدة نفسية, ولا توهما, ولا تطاولاً على الآخرين.
الاستهداف مكائد متعدِّدة, ومتنوِّعة, يمثِّلها الواقع, وقليل من يدرك ذلك, وأقل منه من يعمل على تفادي الخطر.
واقع أمتنا التفرُّق, والتخاذل, بل التخذيل. وهذه السلوكيات تنذر بالخطر, وتكرّس الإحباط.
مشهد عالمنا العربي السياسي يعيش حالة من التوتر, بعد التصريحات الأمريكية المناوئة للمملكة, وقادتها, وبعد الدعم السخي لإيران ومن معها.
المواطن السعودي, لا يقبل المساس بالسيادة الوطنية, ولا اتهام قادة البلاد, وإن كان يعلم علم اليقين أن البلاد, وقادتها, وعلماءها, ومواطنيها محفوظون بحفظ من لا تضيع ودائعهُ.
دولة مسلمة, مُسالِمة سبَّاقة إلى كل خير, خادمة للمشاعر, عاملة بالشعائر, مستقيمة على المأمور, لا يمكن أن ينتصر عليها متسلط ظالم: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَاد}. {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا}.
وهي إذ تَنْصُر دينه, وتُكرِمُ عبادَه, فهي واثقة بنصر الله, وتأييده, وتمكينه, ولكنها قد تُبْتلى للتمحيص.
علاقة المملكة بأمريكا علاقة مصالح متبادلة, علاقة تاريخية مؤسساتية, لا تؤثِّر عليها العوارض, ولا الضغوط.
كل رئيس يدخل (البيت الأبيض) يتصور أنه الكل بالكل, وأن بناء سمعته, وشخصيته لا يكون إلا بإثارة الزوابع. ما يقوله بعض المسؤولين يخالف الحق, ويصادم الواقع.
الورقة المهترئة, ورقة المرحوم (جمال خاشقجي) ربما تكون الوحيدة التي يُلَوَّح بها.
نحن مع دولتنا, نستنكر الغدر به, وقتله, ونحمل المسؤولية المفرزة الأمنية التي تصرفت وفق رؤيتها دون الرجوع إلى أهل الحل, والعقد.
(الخاشقجي) -رحمه الله- عرَّض نفسه للمُساءلة, لأنه منح قدراته الإعلامية المتميزة للعدو, وهيأ نفسه لفتح قناة معادية للمملكة, ومن حق المملكة قطع الطريق على خصومها, لمنعهم, أو تحييدهم.
(خاشقجي) -رحمه الله- لم يكن معارضاً, بل كان مناوئاً ضد الدولة, أي أنه يسعى جهده لإسقاطها, وليس هدفه تعديل مسارها, ذلك ما كنا نسمع.
ورجل تلك نواياه, لا بد من ملاحقته, أنا لا أوافق على قتله, ولكنني أتحفظ على فعله, وهو قد دخل اللعبة الخطيرة, ولم يحافظ على سلامته.
قادة أمريكا في غنى عن مثل هذه اللعب الهشة, فبإمكانها أن توظَّف لها من هم على مستوى الحدث, أما أن يطلع كبار المسؤولين, ويخوفوننا بها فأمر لا يليق.
وقل مثل ذلك عن محاكمة (لجين الهذلول). قضايا ضمن سيادة الدولة, والتدخل فيها إخلال في السيادة, وهو ما لا يرضاه أي مواطن سعودي, بل لا ترضاه مبادئ أمريكا الورقية.
أمريكا دولة قوية, ومؤثِّرة, وقد يطاوعها البعض خوفاً, لا تأييداً, وتحديها مؤثِّر, ولكن المملكة لم تكن من الهشاشة بحيث تؤثِّر عليها مثل هذه الطلعات, والتطلعات.
ما نوده من أمريكا أن تعيد قراءتها للعلاقات العريقة معها, وأن تقدر زعيمين عالميين التقيا لمصالح مشتركة (الملك عبدالعزيز) و(روزفلت).
هذا اللقاء التاريخي, لا يمكن التفريط فيه بسهولة. كما لم يكن من السهل التفريط في شيء من المكتسبات, والدولة قادرة على احتواء المشكلة, ومعالجتها بما يكفل مصلحة الطرفين.
الغريب في الأمر أنه كلما تعقدت الأمور في المنطقة, استعانت أمريكا بالمملكة لتهدئة الأوضاع, وفك الاختناقات: {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيز}.