عبر العصور، ظل الداء والدواء نتيجتين لبعضهما ملازمتين للإنسان وكأنهما عالمَين موازيين للواقع، يتماهيان معه، يستندان إليه، يأخذان منه ويُؤثران به وعليه أن يجتهد، رغم أن الإسلام بين له أن الوقاية خير من العلاج؛ ولَم تكن الأوبئة التي ضربت الكوكب الأزرق ووضعت الإنسان أمام تحدي البقاء، بمعزلٍ عن الدراسات والأبحاث، بل يمكننا القول إن من بين الحسنات القليلة للأوبئة، أنها ألهمت الإنسان وغذت محتواه الفكري أو المعرفي بما يدور حوله من مخاطر عليه تجاوزها بدلاً من أن يواجه سكانها الموت عزلا إلا من خطوط الدفاع الأولى بالمعركة كطبيبٍ شُجاع أو عامل صحي، وشُحنات من إرادة الحياة تدب فيهم من حينٍ لآخر.
وقد علمنا التاريخ بسطوره المروية عن السلف، كيف واجهوا خطوب الحياة من الأوبئة والأمراض العاتية، فقبل عام 2019، كان العالم يقف كل عام، في حضرة وهيبة مرض السرطان دون مقاومة أو علاج، ليكون إمبراطوراً على كافة الأمراض بلا منازع. أما اليوم فقد تغيّر العالم، وانقلب رأساً على عقب. ليتنازل عن العرش رافعاً عليه طاغية جديد غير مُرحب به كسابقيه لكنه أتي دون توقع (كوفيد – 19 أو كورونا)، فلا نراه بالعين المجردة حتى يفتك بأجهزتنا فاصلاً تيار الحياة عن روحنا التي لم تجد إلا أن تعود لباريها، إذ قبض على أكثر من 2.53 مليون نفس، وأكثر من 114 مليون اصابة حتى نهاية فبراير الحالي وأضر مقومات الحياة ومعيشتها الاقتصادية، والتي كان يمكن تجنبها لولا الفشل الإداري للأنظمة التي شاركت بقتل الأرواح وحملت وزرها دولة الصين ومنظمة الصحة العالمية.
ولعل اللقاحات قد تكون بصيص أمل في خضم هذا الظلام الذي يحيط بنا، في انتصار العلم وخروج اللقاحات في مدة قصيرة لا تتجاوز السنة. وهو ما لم يحدث في تاريخ الطب، وليومنا هذا وبعد تلقيح أكثر من 60 مليون إنسان حتى كتابة هذه السطور، لم نجد أعراضاً تسبب الوفاة أو أمراضاً خطيرة، رغم أننا لم نصل لعلاج فاعل يقتل الفيروس مباشرة، ويقضي عليه، لكن قد يرحل (كوفيد - 19) ويبقى السرطان مرضاً ثابتاً يقتل نسبة أكبر بكثير.. ويبقى حرب الوجود للإنسان والبحث العلمي وحفظ الله لمن يتركون حياتهم على الله، ولا يمتلكون لقاحاً من أجل الحياة.