زكية إبراهيم الحجي
بالعودة لتاريخ الإدارات الأمريكية المتعاقبة سندرك تماماً زيف الشعارات التي كانت تُبشر بها العالم بعد الحرب العالمية الثانية.. إذ لم تجد غالبية هذه الإدارات أي غضاضة في أن تدوس على كل القيم والمبادئ التي نادت وما زالت تنادي بها طالما كانت هذه القيم تقف حجر عثرة في طريق تحقيق مصالحها الذاتية.. فأمريكا منذ أن عُرفت تُعد أكثر دول العالم تدخلاً في شئون الدول بدعوى حماية حقوق الإنسان والترويج والمطالبة بتطبيق الديمقراطية القائمة على الحوار ومبادئ التعايش مع الآخرين إلا أن سجل تاريخها في هذا المجال يثير الكثير من الاستغراب والدهشة.. فالضجيج والصخب المتواتر وكل الشعارات الرنانة عن حقوق الإنسان والتغني بذلك من حين لآخر ما هي إلا ورقة تُلوح بها وتستخدمها في سياستها الخارجية.
فاقد الشيء لا يعطيه.. فدعاوى الإدارة الأمريكية الدفاع بقوة عن حقوق الإنسان في سياستها الخارجية ما هي إلا شعارات زيف وكذب وبهتان.. إذ لا يمكن أن تكون هذه الإدارة مدافعة فعلياً عن الديمقراطية وحقوق الإنسان ونبذ العنصرية في الخارج إلا إذا أظهرت التزاماً حقيقياً بتطبيق الحقوق ذاتها داخل المجتمع الأمريكي الذي عانى وما زال من انتهاكات بحق المواطن الأمريكي داخل وطنه.. وليس خافياً على أحد بأن للولايات المتحدة الأمريكية تاريخاً طويلاً مع التمييز العنصري وما يتبعه من ضرب مبرح وتعذيب وخنق وقتل، وكان هذا النوع من التعامل حياة يومية يعيشها المواطن الأمريكي خلال الإدارات الحكومية المتعاقبة، رغم أن تلك الأفعال مخالفة لحقوق الإنسان، وتعتبر خرقاً للمعاهدات والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان ولغة الأرقام هي الفيصل للتدليل على ذلك.
ومع تعاقب الحكومات الأمريكية وتداول الكرسي الرئاسي من رئيس لآخر يبقى سؤال مطروح لجُلِ رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية ترى «كيف لأمريكا التي لها سجل مشين في انتهاك حقوق الإنسان أن تحاسب دولة أخرى بتهمة حقوق الإنسان»، عذراً للقارئ الكريم أليس ذلك من الوقاحة السياسية.. المثير في الأمر أن الإدارة الأمريكية التي ثقبت آذاننا ومسامعنا بشعاراتها الرنانة وما زالت حول الحريات وحقوق الإنسان فضحت سياستها من خلال تقرير المخابرات الأمريكية الكاذب حول قضية الصحفي السعودي جمال خاشقجي، ليأتي الرد الصاعق من وزارة الخارجية السعودية، ويشير «إلى أن حكومة المملكة العربية السعودية ترفض رفضاً قاطعاً كل ما ورد في التقرير من استنتاجات مسيئة وغير صحيحة عن قيادة المملكة ولا يمكن قبولها بأي حال من الأحوال «تبع ذلك استنكار عربي وإسلامي ورفض قاطع لما ورد في تقرير الاستخبارات الأمريكية.. لذلك فإن أمريكا هي آخر من يحق له الدفاع عن حقوق الإنسان والديمقراطية في أي دولة من دول العالم فكل ما تصدره الإدارة الأمريكية بهذا الخصوص ينبع من اعتبارات سياسية تستغلها لتحقيق مصالحها.