لا يمكن النظر إلى الأدوار والجهود الثقافية للمُحتفى به الأستاذ عبدالله الناصر دون الإلمام بجوانب معينة؛ إذ ينبغي التأمل فيها بوصفها تجسيدًا لذلك النهر المعطاء الذي تشكله روافد ثلاثة: الإنساني والثقافي والإداري. للناصر في البعد الإنساني مكانة في قلوب محبيه وأصدقائه لا يحظى بها سواه، وله من الحضور منزلة الغيث لديهم، وتمر الأيام فتتسع مساحات الوفاء، ويزيد إيقاع نبضات الصدق والحكمة التي عُرِف بها، كما تعلو منزلته لدى من عرفه مسؤولًا أو كاتبًا.
أما جهود الناصر الثقافية فدوحة ذات غصون شتى؛ لعلنا نشير هنا إلى بعض ثمارها، ومن ذلك التزامه بكتابته الأسبوعية يوم الجمعة بصحيفة الرياض لعقود، وقد تناول في زاويته القضايا السياسية والثقافية باقتدار. ومن منجزه الكتابي نلحظ أنه نشر عددًا غير قليل من الكتب، التي طرقت بعض الأجناس الأدبية؛ إذ إن بعضها في حقل القصة القصيرة، ومنها «أشباح السراب» و»حصار الثلج» و»سيرة نعل» و»الشجرة»، المنشورة بين عامي 2002 و 2006م.
وأُدرجت بعض مقالاته في أسفار أخرى مثل: «بالفصيح»، ولا مناص من الإشارة إلى كتابه «من أحاديث القرى حكايات من ذاكرة الأرض»، ربما تمايز هذا الكتاب قليلًا في تشكيله عن الاتجاهين السابقين، وبدا جامعًا لهما، لكنه يمثل باقتدار مع أعماله السابقة حلقة مكملة لمشروع الناصر الأخضر، الذي يهتم بالطبيعة، ويعيش تفاصيلها نصًا وواقعًا، وتمتد جذور ذلك إلى أعماله النقدية المنشورة، التي ضمت دراسات عن إبداع بعض الشعراء، ومنهم ذوالرمة والشنفرى، وهناك روايات في طريقها إلى النشر، بعناوين مرسخة للاتجاه السابق، مثل: «العرق الأخضر» و»العوجا». تجدر الإشارة إلى أن معظم مؤلفاته حظيت بدراسات ومراجعات، ومنها ما نقل مترجمًا إلى اللغات الأخرى لاسيما الإنجليزية. وله مشاركات كثيرة ضمت الإسهام بمحاضرات وندوات في الأندية الأدبية والجامعات داخل المملكة وخارجها.
ونلحظ في البعدين الإداري والاستشاري أن تجربة الناصر الإدارية الطويلة لها آثارها التي لا تُحد، منذ أن عمل ملحقًا ثقافيًا في الجزائر ولندن، وكانت لهذه الأعمال علاقتها البينة في دعمه الثقافة والمبتعثين في بريطانيا. وعين بعد عودته من لندن عضو مجلس الشورى، ليستكمل ذلك العطاء بعضوية اللجنة الثقافية المكلفة بالتخطيط والمراجعة، وتجلت جهوده مع زملائه لتصبح خير معين لتقديم الآراء والاقتراحات إلى الجهات المباشرة.
تلك أبعاد ثلاثة لا يمكن تجاوزها عند الكتابة عن الناصر، ومع أن هذه مساحة موجزة، لكنها مناسبة لتقديم تلويحة حب وتقدير للمحتفى به، مؤطرة بالشكر والثناء للجزيرة الثقافية.
** **
- د.معجب العدواني