د.فوزية أبو خالد
كنتُ أعرف الأستاذ عبدالله الناصر كأديب من خلال إنتاجه القصصي المتسم بطابع رومانسي شفيف في بعض منه، وبروح ساخرة مباشرة في بعضه الآخر، معبرًا في كليهما عن قلم أدبي له بصمته الخاصة في جيله من كتَّاب القصة القصيرة، وهو جيل يعدُّ من الأجيال المبكرة في كتابة القصة القصيرة بالمملكة العربية السعودية بنمط عربي حديث وبملامح سعودية.
وكنت أيضًا أعرف عبدالله الناصر ككاتب من خلال مقالاته المميزة بمواضيعها الاجتماعية وباهتمامها بالشأن العام، وبقدرتها في الكشف عن ثقافة عميقة تجمع بين ثقافة تراثية منتخبة من عيون الأدب والفكر وثقافة عصرية منحازة للإنتاج المعرفي المستنير، وإلى المنتصف الثاني من التسعينات الميلادية لم تتجاوز معرفتي به تلك الرابطة القلمية البعيدة القريبة بجانب ما أسمعه عنه من سيرة عطرة من أصدقاء مشتركين على مستوى عربي وسعودي، ومنهم د. غازي القصيبي والشاعرة أمل جراح والروائي ياسين رفاعية ورياض الريس وسامي الذبياني ود. سلمى خضرا الجيوسي التي بادرت لترجمة بعض أعماله تثمينًا لقيمتها الأدبية إلى اللغة الإنجليزية مع كُتَّاب قصة آخرين من المملكة منهم المرحوم عبدالعزيز المشري ورجاء عالم ومحمد حسن علوان وحمزة بوقري.
إلا أنني لم أعلم بأنني على موعد مع الحظ لمعرفة ما يجتمع في هذا الإنسان من مكارم أخلاق ومن مهنية في العمل ومن خصائص شخصية تمتزج فيها شهامة البداوة وعقلانية الحياة الحضرية إلا عندما تعرفتُ عليه وجهًا لوجه كملحق ثقافي ببريطانيا عندما انضممت لبعثة جامعة الملك سعود على يد وزير التعليم وقتها معالي د. خالد العنقري (أحسن الله إليه على عدله)، بعد العام الأول من التحاقي بجامعة مانشستر لدراسة الدكتوراه.
وقد وجدتُ شخصيًا من أ. عبدالله الناصر كل المناصرة في تيسير كل الشؤون المرتبكة وفي تذليل كل الصعاب الكأداء التي عادة ما يواجهها الطلاب في الخارج خصوصًا في حالتي التي كنتُ فيها طالبة دكتواره وأمًا وكاتبة وموظفة بين قارتين. وقد أولاني احترامًا ومعاضدة لأقوم بكل أدواري وأوفي بالتزاماتي الدراسية والأسرية بكل ما يمكن من جمال. وفي هذا الخضم أسعدني الظرف لأتعرف على أسرته فعرفتُ فيه وفي زوجته السامقة الرقيقة السيدة هدى آل الشيخ وفي أطفالهما وقتها مي وشذا وعبير وإخوانهم على صورة نادرة من صور الوئام العائلي ونجاح الأبناء والدفء في صقيع الغربة. بجانب ذلك ما جمع بين ابنته الجميلة مي الناصر وجميلتي طفول العقبي من صداقة وأوقات من البهجة.
تلك صفحة طواها الزمن عند تخرجي عام 2000م إلا أن عبيرها بقي حيًا في نفسي بعد العودة للوطن ولمسته في طيف عريض من الطلاب الذين عايشوا أريحية الملحق الثقافي والتي كان منها مبادرته بإصدار مجلة ثقافية شكلت تظاهرة معرفية شارك فيها بأقلامهم طلاب وكتاب عرب وسعوديين كبار، واستطاعت أن تجمع بين مواضيع العلم وبين الشعر والأدب.
هذه وقفة وفاء قليلة جدًا في حق أ.عبدالله الناصر أديبًا وملحقًا ثقافيًا وإنسانًا نبيلاً وصاحب «كتابات معاندة» ذلك الكتاب الفريد من نوعه في تعدد أبوابه التي عبرت عن معرفة موسوعية في السياسة والاجتماع والثقافة، وعن حس عروبي لا يلين وانتماء وطني وقاد.