د. سلطان سعد القحطاني
تحدثنا في الحلقة الماضية عن بداية وصول الأستاذ حمد الدخيل إلى الأحساء، الدكتور فيما بعد، مدرساً في المعهد العلمي، في زمن الأستاذ حواس الحواس، مديراً للمعهد، خلفاً للأستاذ عبدالله بن خميس، وكان حمد الدخيل يعرف الأحساء عن بُعد من منتجاتها من التمور التي كانت تصل بلدته (المجمعة) ثم القاز الذي كانت تشعل منه السرج، جمع سراج.
وفي هذه الحلقة سنتكلم عن حمد الدخيل من قلب الأحساء، على مذهب (ليس من سمع كمن رأى) حيث شاء الله أن يُعين مدرساً في المعهد المذكور، في قلب الهفوف، عاصمة المحافظة.
والدكتور حمد الدخيل رجل عرف بشغفه بالكتاب والثقافة منذ أن عرفناه، فاستهل حديثه بمجلة المعهد، التي تعتبر مرجعاً مهماً للباحثين لو وجدوها!! وعلى الرغم من أنها من عدد واحد إلا أن ما قرأته عنها ملخصاً أغنى عن كثير مما كنت أبحث عنه، وأنا ممن بحث عنها فلم يجدها، أو ضن بها بعضهم، حتى حدثني المغفور له -بإذن الله- عنها وعن طموحات الشباب، وتسجيع الشيخ ابن خميس الذي يعتبرني من أبنائه رحمه الله، أقول إن المغفور له -بإذن الله- الأستاذ الباحث عبدالله آل شباط الخالدي سكرتير المجلة، أعطاني فكرةً موسعةً عن المعهد والمجلة بما أغناني عن قراءتها. تحدث الدكتور حمد عن المجلة وفصولها وعن المدرسين في المعهد بصورة واضحة جلية، وجلهم ممن عرفتهم من خلال كتاباتهم ونشاطهم الثقافي، مثل ابن سيار، والدكتور فيما بعد مناع القطان، وغيرهم، كما تحدث عن زيارته للأحساء برفقة الزميلين العزيزين الدكتور محمد عبدالرحمن الربيع، والدكتور عبدالله الحيدري، ولقائه بعض طلابه الذين أصبحوا زملاء فيما بعد، وهذه الزيارة حصيلتها هذا الكتاب الصغير حجماً الكبير فائدةً، ولا غرابة، فمؤلفه (علم في رأسه نار) وحديث الدكتور الدخيّل عن ذلك العدد الفريد اليتيم أثار شجون وحسرات كثير من شداة العلم والأدب، ولا يلام عليه، وما دام الشيء بالشيء يذكر فإن حسرتي على عدد واحد من مجلة المعرفة أصدرناه من المتوسطة الثانية عام 1387- 1967 أجريت فيه أول حوار صحفي مع مدير البلدية في الهفوف، لا أذكر اسمه لكني أذكر لقبه (الغنام) وكان يرأس تحريرها مدرس لقبه (الجلبي) من العراق، ضاع مع ما ضاع من مكتبتي الصغيرة عندما هُدم بيتنا القديم أثناء دراستي في بريطانيا.
ذكر الدكتور الدخيل مكتبتين في الأحساء، وهما مكتبة التعاون الثقافي للشيخ عبدالله الملا -رحمه الله-، ومكتبة الطريري، وكلتاهما في سوق الحميدية مقابل (القيصرية)، ومن كثرة ترددي على مكتبة التعاون، ربطتني صداقة بالشيخ الملا، لدرجة أنه كان يخفض لي في سعر الكتاب، ومن ضمنها تحفة المستفيد، الطبعة القديمة، وأحياناً يقول خذ الكتاب وإن أعجبك خفضنا السعر، رحم الله الشيخ عبدالله الملا، كم كان محباً للعلم وأهله.
أما ذكره الدخيل من قراءة روايات الإسلام، فقد تعرضت لموقف من أحد الإخوان المسلمين من سوريا، قبضني متلبساً بإحدى روايات جورجي زيدان، وأمرني بترك قراءة هذا النصراني الخبيث، وما كنت أعرف أن جورجي زيدان نصراني، لعدم اهتمامي بدينه وملته.
ومن أجمل ما ذكره في هذه الذكريات دقة ملاحظاته عن الأحياء، وتطورها قبل البنك العقاري، وطفرة العقار الجنونية، وتعدد الأحياء في الهفوف، ومعظمها أسماء مزارع باعها أهلها أراضي فضاء بعد قلع ما فيها من أشجار، ولا تزال هذه الطفرة إلى اليوم، غزواً مدمراً لبعض المزارع والبساتين.
وتعود بالمؤلف ذكرياته بطلابه النجباء، سواء من كان منهم في المعهد أو الكلية، ومنهم المثقف العريق مبارك القاسم المبارك، وأشار إلى بعض زملائه.
وقد انتسب حمد الدخيل إلى جامعة الأزهر قبل أن يعود إلى الرياض ضمن مجموعة من خريجي الكلية، منهم: عبدالمحسن القحطاني، وإبراهيم الفوزان، ومحمد بن حسين (رحمه الله).
ومن اللافت للنظر احتفاظ المؤلف بالتواريخ بشقيها، الهجري والميلادي، مما أضفى مصداقية أكثر على الأحداث. ونكتفي بهذا القدر من هذا الكتاب صغير الحجم كبير الفائدة.