حمّاد بن حامد السالمي
«ربما كان لحالتي مع العزلة والحبسة الكورونية غير الاختيارية؛ دخل فيما أقول هنا، بعد أن دخلنا سنتنا المُسنية الثانية مع فيروس كوفيد 19 أو 20 أو 21 لا فرق، فكله مرض مفحم، ووباء خطير معدٍ يتربص بالكبار والصغار، ويخطف الأحبة من بين أهليهم، ويفرق بين الأسر والجماعات، ويعكر كل فرحة، ويحل كل ترحة.
ما يغيظني حقيقة؛ قول من يسمون أنفسهم متفائلين، ليرددوا علينا من أقوالهم: (هذا الوقت سوف يمر)، وهي مجرد (أزمة وتعدي)..! والأزمة تأبى إلا أن تعبر بنا إلى العام 2022م على ما يبدو. كفانا الله شرور كورونا وما كرنن معه، من فيروسات متحورة ومتحولة.
«منذ بدء الأزمة ودخولي -مثل غيري- في حبسة كورونا؛ رحت أهرب من نفسي إلى نفسي. من واقع الخوف من عدوى كورونا؛ إلى ما يتناهى إلي من أخبار غير سارة عن ضحايا ومصابين. نسأل الله العافية. الأمر الوحيد الذي استفدته غصبًا عن كورونا وحبسته الموحشة؛ عودتي لمكتبتي الخاصة، واستئناس الكثير من محتوياتها من جديد. لكني بين وقت وآخر؛ أبحث عن مسليات ومضحكات مضادة، علّي أواجه بها توحشي من الحبسة، وخوفي من جائحة كورونا؛ التي هي بحق؛ (مفرقة الجماعات، وهادمة اللذات).
«وجدت غيري كثير ممن يجيد إدارة المعركة مع كورونا بصورة ساخرة. من هؤلاء المحاربين الساخرين: شاعر شعبي مصري هو: (إسلام خليل)، استحضر روح شعبان عبدالرحيم في قصيدته: (كورونا الحلزونة)، فغناها مع (عصام شعبولا)، فقدما أغنية تتحدث بسخرية عن فيروس كورونا، فتوضح أسباب انتشاره، وكيفية تجنب ارتفاع عدد ضحاياه. جاء ذلك بدارجة مصرية بسيطة جدًا، تصل بسهولة لجميع البسطاء من الناس، وفيها نصائح وتوعية جيدة. تقول كلمات أغنية (كورونا الحلزونة):
الحلزونة ياما الحلزونة..
آل يعني كانت ناقصة كورونا
مرض خطير وملهوش كبير.. ويموّت
لا.. دا الحكاية كبرت يا ناس واحلوّت
أنفلوانزا الطيور خطير غير أنفلوانزا الخنازير
خد بالك منه ليجيلك غدر وتتحجز
وتقعد في الحجر..
اشرب ينسون ومية ولمون
وافتح شباك البلكونة..
الحلزونة ياما الحلزونة..
كورونا أصبح زي الشبح على العالم طل
كورونا مرض مش بس عرض
وعاوزله حل..
دا مش فانوس صيني وتليفون..
دا وباء وجاي زي المجنون
مسكت فرخة.. دبحت حمامة
نصيحة منى البس كمّامة
وبلاش تبوس أحسن تلوص
ولا حتى تنفخ بالونة
الحلزونة ياما الحلزونة
آل يعنى كانت ناقصة كورونا!
«ألم أقل لكم.. إنها مواجهة هزلية ساخرة مع المرض؛ لكنها في غاية التوعية. هذه واحدة من إلهامات كورونا للشعراء والمغنين. الإلهامة الأخرى جاءت جادة، وكانت للشاعر والكاتب السوري الصحافي المترجم: (خالد جميل الصدقة)، الذي أصيب بكورونا في مقر إقامته بدولة الكويت، وتوفّي في مايو 2020م. كتب الشاعر قبيل شهر من إصابته قصيدة طويلة سماها: (المعلقة الكورونية)، وجاءت على وزن معلقة عمرو بن كلثوم: (ألا هبي بصحنك فاصبحينا). قال رحمه الله:
ألا هُبِّي بكمّامٍ يقينا
رذاذَ العاطسينَ وعَقِّمينا
فنحن اليومَ في قفصٍ كبيرٍ
وكورونا يبثُّ الرعبَ فينا
إذا ما قد عطسنا دون قصدٍ
تلاحقُنا العيونُ وتزدرينا
وإنْ سعلَ الزميلُ ولو مُزاحاً
تفرَّقنا شمالاً أو يمينا
وباءٌ حاصرَ الدنيا جميعاً
وفيروسٌ أذلَّ العالمينا
تغلغلَ في دماءِ الناسِ سراً
فباتوا يائسينَ وعاجزينا
يقاتلُهمْ بلا سيفٍ ورمحٍ
ويتركُهم ضحايا مَيِّتينا
أيا كوفيدُ لا تعجلْ علينا
وأمهلْنا نخبرْكَ اليقينا
بأنّا الخائفونَ إذا مرضْنا
وأنا الجازعونَ إذا ابتُلينا
وأنا المبلسونَ إذا افتقرنا
وأنا الجاحدونَ إذا غَنِينا
وأنا الباخلونَ إذا ملكْنا
وأنا الغادرونَ بمنْ يلينا
وأنا قد ظلمْنا وافترينا
وشوَّهنا وجوهَ الصالحينا
وأنا قد هجرْنا كلَّ حقٍّ
وصافحْنا أكفَّ المجرمينا
وأنا ما شكرنا اللهَ حقاً
على نعمٍ أتتنا مُصبحينا
وهذي صفعةٌ أولى لنصحو
ونخرجَ من حياةِ الغافلينا
وإلا فالمصائبُ مطبقاتٌ
ونرجو اللهَ دوماً أنْ يقينا
* هل نحن في عصرنا نستحق هذه الصفعة الوبائية من كورونا.. لأنا: (خائفون- جازعون- مبلسون- جاحدون- باخلون- غادرون- ظالمون...)! يظل هذا رأي شاعر غدر به وباء كورونا، فخطفه من بيننا، تاركًا وراءه معلقته الكورونية العجيبة.