«الموهبة قد تحقّق الفوز في مباريات، لكن عمل الفريق يربح البطولات». ما بين القوسين مقولة تعود إلى مايكل جوردن، أحد ألمع النجوم التي سطعت في سماء كرة السلة الأمريكية في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي. ورغم أنه أطلقها في سياق رياضي إلا أن مقولته الشهيرة هذه كثيرًا ما تُستدعى لتأكيد أهمية العمل كفريق، وما يمكن أن يتحقق من إنجازات متى ما اتسم الفريق بروح التعاون، والتزم جانب التنسيق.
يعرّف علماء الإدارة العمل الجماعي بأنه جهد يقوم به مجموعة من الناس أو الإدارات في عمل ما من أجل تحقيق هدف مشترك فيما بينهم. وقد أثبتت البحوث والدراسات أن العمل كفريق يعزز من كفاءة وجودة العمل؛ لأنه ينتج بمشاركة أفراد أو إدارات مختلفة التخصصات. ومع توافر إمكانية توزيع المهام والمسؤوليات فإن العمل الجماعي يسهم بشكل حاسم في إنجاز المشاريع بسرعة، إضافة إلى أنه يعزز القدرة على حل المشكلات، وتجنب المخاطر بفضل التفكير الجمعي الذي تحظى به فرق العمل المتناغمة.
ومزايا العمل الجماعي أكثر من أن تحصر، خاصة بالنسبة للمنظمات، سواء كانت تابعة للقطاع العام أو الخاص، ولها خطط وأهداف استراتيجية، تهتم بأن تتحول إداراتها الداخلية إلى فرق عمل، تعمل بتنسيق وتعاون لصيق لتحقيق أهدافها الاستراتيجية، وتنزيل رؤيتها وأداء رسالتها التي تحملها. إذن فقرة «القدرة على العمل ضمن فريق» الثابتة في إعلانات الوظائف التي تنشرها تلك الجهات ليست مجرد «كليشه»، بل مهارة ضرورية يتوجب على كل موظف يطمح إلى النجاح المهني امتلاكها.
وهذا التحول نحو العمل الجماعي فرضته الكثير من المستجدات التي طرأت في عالم اليوم؛ إذ أصبحت العلوم والتخصصات أكثر تداخلاً. فعلى سبيل التمثيل فإن تنفيذ الأعمال والمشاريع وتطويرها، أو إدارتها، يتطلب العمل على مستويات تخصصية مختلفة. ولا يمكن تصور مشروع ناجح دون إسناد تقني حقيقي من إدارة متخصصة في هذا المجال الذي تغلغل في أبسط الأعمال، وبسط أعقد الأعمال. والأمر نفسه ينطبق على الإعلام الذي لا غنى عنه في التسويق للمنتجات، وزيادة العائدات التي تؤمّن النجاح لمختلف الأعمال، وتتيح فرص التطور والتوسع. وهكذا تتداخل التخصصات، وتزداد أهمية كل تخصص حسب طبيعة المشروع المراد تنفيذه.
في المملكة العربية تواكب قطاع الأعمال هذه التطورات، وتستفيد منها بشكل نموذجي. ولعل ذلك ما يفسر التطور الكبير الذي يشهده القطاع الخاص. ويمكن أن تشكل مجموعة د. سليمان الحبيب الطبية نموذجًا مثاليًّا للتجسيد في هذا السياق؛ فخلال الفترة الأخيرة أعلنت المجموعة عددًا من المشاريع الرائدة والمبتكرة والأولى من نوعها ذات القيمة والأثر الكبير. وجاءت جميعها نتاج تعاون وتنسيق وصل حد التناغم بين الإدارات المختلفة. ومن أهم هذه المشاريع مشروع الربط الذكي بين سيارات الإسعاف التابعة لمستشفيات المجموعة مع وحدة التحكم والقيادة لأقسام الطوارئ، الذي يمكّن من تشخيص حالات الجلطات القلبية والدماغية، وتقديم العلاج الإسعافي للمريض في المنزل، أو موقع العمل، أو في أي مكان آخر. أهمية هذه الخدمة تنبع من أهمية سرعة تشخيص المرض، وتقديم العلاج في الوقت المناسب، وذلك يعتبر عاملاً مهمًّا وحاسمًا في تشافي المصابين. وفي المقابل، فإن تأخير العلاج قد تكون عواقبه وخيمة؛ إذ من الممكن أن تتسبب في تلف الكثير من الأنسجة المتأثرة، وهو الأمر الذي في الغالب يصيب المريض بقصور مؤقت أو مزمن. وقد تم تنفيذ المشروع كعمل جماعي بالتعاون بين أقسام الطوارئ بمستشفيات المجموعة واستشاريي أمراض القلب واستشاريي الجلطات الدماغية، ودعم من الشؤون الطبية، وشراكة بالتنفيذ من الهندسة الطبية وفريق أنظمة الحلول التقنية بالمجموعة.
وكذلك أطلقت المجموعة برنامج مضخة القلب والرئة الاصطناعية «إيكمو» ECMO، التي تُعرَف أيضًا «بجهاز الأكسجة الغشائية خارج الجسم»، وتعد من أحدث ما توصلت إليه الأبحاث والتقنيات العلمية في مجال العناية المركزة التي تُبقي المريض على قيد الحياة بعد إرادة الله، وتعمل كمضخة لتدوير دم المريض من خلال رئة اصطناعية، تضيف الأوكسجين، وتزيل ثاني أكسيد الكربون قبل عودة الدم إلى المريض، وتوفر من خلال هذه العملية كمية كافية من الأوكسجين للمريض، وتتيح في الوقت ذاته الفرصة للرئتين أو القلب للراحة والشفاء. وكشفت الأبحاث والدراسات أنها كانت سببًا في إنقاذ حياة الكثير من مرضى الفشل التنفسي الحاد نتيجة الالتهابات الرئوية، بما فيها تلك الناتجة من الإصابة بـ»كوفيد-19» وغيرها؛ وبذلك فإن هذه التقنية تعمل على إبقاء حالات الفشل التنفسي والقصور القلبي الحاد على قيد الحياة في العناية المركزة.
ومن مشاريع المجموعة المهمة أيضًا غرفة القيادة والتحكم عن بعد في وحدات العناية المركزة «Tele-ICU» التي تعد الأكبر على مستوى العالم بعدد «796»، ودخلت به المجموعة موسوعة غينيس للأرقام القياسية. وكذلك خدمة ربط من سيارات الإسعاف مع مركز قيادة الطوارئ عبر تقنيتَي الصوت والصورة، اللتين تمكنان إصابات الطوارئ من تلقي العلاج بشكل أسرع.
إن كل هذه المشاريع المهمة التي تشكّل إضافة مهمة لقطاع الرعاية الصحية أُنجزت بفضل التناغم الإداري والعصف الذهني والإبداع الجماعي الذي تعمل به كل الوحدات الإدارية لتحقيق الأهداف الاستراتيجية للمجموعة.
ولا شك أن كل إدارة من إدارات المجموعة أشبه بفرد في قافلة مترابطة، تسارع الخطى نحو الهدف. وبالتأكيد إن هذا سرٌّ من أسرار نجاح هذه المجموعة.
** **
المدير التنفيذي للشؤون الإعلامية - مجموعة الدكتور سليمان الحبيب الطبية