كتبت هذه المقالة بعد عام من رحيل أمي - رحمها الله- ولسبب ما لم أشأ نشرها في حينها، وهاأنذا أنشرها لعلها تكون سببًا في دعوات لروحها بالرحمة من أكرم الأكرمين:
مضى عام دون وجهك أمي، لكنني لم أشعر برحيلك فأنت معي في داخلي، في ذكرياتي، في شتى تفاصيل حياتي، أنت معي عندما يلتئم شمل إخوتي في ذات الدار التي رحلت منها تاركة لنا عبق الأخوة ومعنى المضي قدماً في دروب الحياة، نجتمع لنشم عطرك ونصغي لصوتك الذي يملأ جنباتها حنانًا وظلالاً، وتفاؤلاً وآمالاً، لكم استعدت معك وبك محطات حياتي، أدرك أكثر من أي وقت مضى ماذا كنت؟ وماذا تحمّلت؟ وماذا قدمت؟! كانت قسوتك لنا رجاء، وحنانك علينا غطاء، وعطاؤك لا يدانيه عطاء، فأنت تعطين في كل حين على السواء، وأي عطاء يداني عطاءك ونحن نتدثر بك وبمعراج دعواتك الممتدة إلى باب السماء.
أتعلمين يا أماه؟: حقاً الطيبون يرحلون، ولكنهم يرحلون جسداً ويتركون وراءهم ألف معنى للحياة، يتركون عبق السيرة، ودروسًا في الدرب منيرة، ولقد تركت لنا أعظم الدروس، كيف تبني المجتمع أم صالحة؛ فتربي نفوساً للعلا طامحة، وقلوباً محبة متسامحة
أأذيع سرًا إن بحت بشوقي لوجهك الطاهر وكفك السخية الندية، لصوتك الناصح، وقلبك المشفق على الكبار قبل الصغار.. كلا وربي بيد أن حسن ظني بربي وعلو منزلتك عنده بناءً على مبشّرات مشوارك وثمار عطائك، فكنت الصابرة المصابرة، المكافحة المنافحة المؤمنة المسلمة بقضاء الله وأقداره.
أمي: أخبرك أننا بَعدك على الوصال رغم بُعدك، وعلى قوة الإخاء وأنت معنا في كل لقاء، رغم الغياب عن اللقاء، فلك الدعاء يسابق الدعاء، ولك الجنة إن شاء الله، ولنا الصبر ومنك الدعاء بأن نسير على دروب خيِّرة توصلنا لاحقاً إليك فلا نقصر عن درجتك التي أرجوها لك عالية عالية في جنة الله الغالية!
** **
- د. سعد بن سعيد الرفاعي