عبدالرحمن الحبيب
خلال فترات التعليم عن بُعد اكتشفت أقلية من الناس بأن التعليم في المنزل أفضل، بزعم أن هذه الطريقة جلبت لأبنائهم سعادة أكثر منذ أن توقفوا عن قضاء أغلب أيامهم بالفصول الدراسية، وتمكنت العائلة من الجلوس مع بعضها لفترة أطول، بل صار الطلاب يتعلمون بسرعة أكبر مع مساعدة الوالدين.. هذا فتح باباً للجدل حول المقارنة بين نمطي التعليم..
وجدت الأبحاث المنشورة في نوفمبر من قبل جمعية مديري خدمات الأطفال في بريطانيا، أن عدد الأطفال المتعلمين بالمنزل بإنجلترا زاد بنسبة 40 في المائة إلى حوالي 75000 في العام حتى أكتوبر 2020. وهذا يمثل أقل قليلاً 1 في المائة من الأطفال في سن المدرسة ولكنه ضعف عدد الذين تلقوا تعليمهم بالمنزل قبل أربع سنوات. في أمريكا، حيث لم تفتح بعض المدارس مبانيها منذ مارس، فإن النسبة أعلى. وجدت دراسة استقصائية نشرت في أكتوبر من قبل مركز بيو للأبحاث أن حوالي 7 في المائة من الآباء الأمريكيين يدرسون رسميًا في المنزل لأطفالهم، بارتفاع حوالي 3 في المائة في الربيع.
تشير الاستطلاعات إلى نمو من يرغبون في التعليم عن بعد، سواء من الوالدين أو من الطلبة، رغم أنهم يشكلون أقلية مقارنة بمن يرغبون بالتعليم في المدرسة.. فما هي الأسباب؟ أسباب تفضيل التعليم في المدرسة واضحة للجميع كجودة التعليم وانضباطيته وتطوير مهارات التعامل الاجتماعي، لكن ما الذي يجعل قليلاًَ من الناس يفضلون الدراسة عن بعد؟
رغم أن الدراسات والاستطلاعات لا تزال قليلة لمعرفة أسباب تفضيل الدراسة عن بعد، فثمة أبحاث عن الدراسة المنزلية قبل كورونا. ففي الغرب، مثلاً، هناك أسباب دينية من المسيحيين المحافظين الذين يخشون أن تفسد المدارس العامة أبناءهم. كما أن هناك أسباباً أخلاقية كالمخاوف بشأن المخدرات وغيرها من التأثيرات السيئة من أولئك الذين يعيشون قرب المدارس السيئة والذين لا يستطيعون تحمل تكاليف المدارس الخاصة فيقررون أحيانًا أن التعليم المنزلي أنسب. هناك من يخشى العنصرية، كما تقول شيريل فيلدز سميث من جامعة جورجيا التي تذكر إن العائلات السوداء وأولئك الذين ينتمون إلى أقليات أخرى لديهم مخاوف إضافية بشأن العنصرية في نظام المدارس العامة (مجلة إيكونيميست).
كذلك هناك من يخشى المضايقات والتنمر الذي قد يتعرض له أبناؤهم، حسبما تشير بعض الدراسات. أظهرت دراسة أجريت في عام 2018 على ست مناطق تعليمية في ولاية كونيتيكت أن أكثر من ثلث العائلات التي سحبت أطفالها من المدرسة في السنوات الثلاث الماضية كانت موضوع تقرير واحد على الأقل سابقًا للاشتباه في إهمال الطفل أو إساءة معاملته. كذلك بالنسبة لذوي المتطلبات الخاصة يقول آباؤهم إنهم سحبوا أطفالهم كملاذ أخير لأن مدارسهم المحلية لا يمكنها استيعاب الإعاقات أو المشاكل العاطفية.
وإذا كانت هذه الأسباب غير رائجة أو حتى غير مقنعة لسحب الطلبة من مدارسهم، فعلى نقيضها تبدو أسباب رفض التعليم المنزلي واضحة، ففضلاً عن انخفاض جودته وضعف صقل المهارات مقارنة بالتعليم المدرسي، يوجد تخوف في كثير من الدول بسوء استغلال التعليم المنزلي. فمثلاً في بريطانيا يشعر المنظمون بالقلق من أن الآباء يستخدمون التعليم المنزلي كغطاء لإرسال أطفالهم إلى مدارس غير مرخصة ذات مناهج دينية متطرفة؛ إذ شكّلت دائرة التفتيش على المدارس «فرقة عمل خاصة بالمدارس غير المسجلة» في عام 2016 . ومنذ ذلك الحين فتحت تحقيقات في 740 مدرسة وخلصت إلى أن حوالي 100 مدرسة منها خالفت القانون بطريقة ما. وفي ديسمبر، قال رئيسها إن انتشار هذه الأماكن «غير الآمنة وغير الملائمة» كان أحد أكبر مخاوفها.
إلا أن من أهم المخاوف تتعلق بسلامة الأطفال والخشية من الإساءة لهم في منازلهم دون علم الجهات الرسمية رغم وجود رقابة على التعليم المنزلي. خاصة بعدما سجلت حالة وفاة مأساوية في بريطانيا نتيجة سوء التغذية، وحالة قتل مروعة في أمريكا. إلا أن الاتصال المتكرر مع المعلمين يوفر المزيد من الفرص لاكتشاف الإساءة أو سوء التغذية. لذا، فالعديد من الدول تنظم التعليم المنزلي بشكل صارم، فهو محظور في ألمانيا، ومشدد في فرنسا إذ يتفقد المفتشون على المعلمين المنزليين، بينما القواعد في بريطانيا مخففة إلى حد ما، أما التعليم المنزلي فهو قانوني في جميع الولايات الأمريكية. وفي السعودية يسمح بالتعليم المنزلي (الافتراضي) وفق شروط معينة مثل توفر معلمين ذوي خبرة في التعامل مع التكنولوجيا الحديثة، وحجرات بث مرئي متكاملة، إنترنت سريع، جهاز حاسوب وملحقاته لكل تلميذ..
الشاهد أن التعليم عن بعد بسبب جائحة كورونا أثار الجدل حول التعليم المنزلي، وقد يثير مناقشات جديدة أخرى رغم أن نسبة من يفضلون التعليم المنزلي تظل ضئيلة.. يعتقد إريك ويرن من جامعة ولاية كينيساو أن الكثير من طلاب المدارس المنزلية الجدد في أمريكا سيرسلون أطفالهم إلى الفصول الدراسية بمجرد أن ينحسر خطر العدوى. لكنه يعتقد أن تجربة التعلم من المنزل أثناء الوباء - سواء اتبع الآباء المناهج الدراسية المقدمة من المدرسة أو أوجدوا منهجهم الخاص - ستجعلهم أكثر استعدادًا للنظر في التعليم المنزلي إذا واجه أطفالهم مشكلات في المدرسة بالمستقبل.