سهوب بغدادي
رجوعًا إلى تحقيق أجرته منظمة اليونيسيف عن التنمّر عبر الإنترنت الذي نشهده على وسائل التواصل الاجتماعي، ومنصات المحادثات، ومنصات الألعاب الإلكترونية. ومن بين الأمثلة على هذا النوع من التنمر الحديث، نشر الأكاذيب أو صور محرجة لشخص ما على وسائل التواصل الاجتماعي أو إرسال رسائل مؤذية فحواها التحريض أو التهديد أو انتحال هوية شخصية معروفة وتوجيه رسائل غير لائقة للآخرين باسمه. في هذا الصدد، تتصاعد المطالبات في جميع أنحاء العالم العربي بحظر تطبيق «تيك توك» نظرًا لسرعة انتشار المقاطع التي تتميز بقصرها وتركيزها على إيصال رسالة خلال هذه المدة الوجيزة، سواء بالمقالب أو التحديات أو التقليعات الدورية التي تتضمن أموراً مخلة بالأدب والأخلاق والتعاطف مع الغير والذوق العام وحالات التنمر والتحرش في أغلب الأحيان إلا ما ندر، لذا بدأت الشركة بتنفيذ العديد من الاستراتيجيات الجديدة لمكافحة التنمر والحد منه للحفاظ على أمان مستخدمي التطبيق من خلال توفير ميزتين جديدتين تساعدان المستخدم على حظر التعليقات المسيئة والضارة. ومؤخراً عملت على توسيع الميزة حيث يمكن إخفاء جميع التعليقات الجديدة في المنشورات حتى يقوم المستخدم بمراجعتها والسماح بنشرها على مساحته الخاصة. فضلاً عن فحص التعليقات قبل أن ينشرها المستخدم من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي والكلمات المفتاحية للتعرف على اللغة التي تتعارض مع سياسات التطبيق، وفق ما جاء عن التطبيق في هذا السياق. إلا أنني أرى أن هذه الخطوات غير كافية فإن كان الشخص يضطر للاطلاع على التعليقات و»فلترتها» واحداً تلو الآخر فالتنمر حاصل وواقع لأن الرسالة تمكنت من الوصول إلى صاحبها وإعلامه بالأمر السلبي والانتقاد الموجه له من الأساس، إلا أن العامل المتغير هنا ظهور الإساءة للعلن، فالإساءة واحدة وإن كانت على الصعيد الخاص والشخصي. أمر آخر قد يتغلب المتنمر الذكي -على الأغلب- على أدوات الذكاء الاصطناعي ويتحايل على المعرفات التي تمنع الكلام المسئ، ولن أفصل القول والشرح في هذا النسق لكيلا توظف بشكل غير سليم. إن الجيل الجديد والمربين بحاجة إلى التوعية أولاً وأخيرًا من ثم معرفة طرق لتعامل مع مثل هذه الإشكاليات التي تعد من تبعات الثورة الرقمية، فالمشكلة لن تنتهي بحظر تطبيق ما، فما نلبث أن نشهد ولادة تطبيق جديد كل فترة وتحول الجمهور تباعاً إليه بذات المنهجية والأسلوب والتداعيات. فالحلأحيانًا يكمن في اللا حل، أي العمل على تقنين الظاهرة لا اجتثاثها لأنها ظاهرى طبيعية ومتطورة من أرض الواقع والتطبيق الفعلي إلى الفضاء الإلكتروني. كما يعد تفعيل دور الجهات الرقابية والمختصة والأمنية في النطاق أمر لا بد منه، مع التوكيد على العقوبات والعواقب لمثل هذه الممارسات غير الحضارية. في حين نرى العديد من المبادرات الطيبة من قبل بعض الكيانات الفعالة في المملكة على سبيل المثال المحملة التي أدارتها وزارة التعليم في شق التعليم العام خلال العام الماضي. إن تأصيل فكرة الوعي بالمشكلة والتعامل معها وحيثياتها أولى من محاولة سد بابها المشرع على مصراعيه.