أ.د.عثمان بن صالح العامر
القيلة في اللهجة الحائلية تعني الذهاب للبرية (كشته) عند أهل العاصمة الرياض، كانت (قيلتنا) بعد صلاة الجمعة لمكان يبعد عن حائل المدينة أكثر من 100 كم على طريق حائل - العلا بحثاً عن الربيع المذكور لنا موقعه والمعروضة علينا صوره.
بعد أن استقر بنا المقام في المكان المذكور صلى بنا المغرب أحد الأقارب الذي جاء للتو من الرياض فجمع مع المغرب العشاء وقصر الصلاة، ومن هنا بدأ الخلاف، إذ إن هناك من تبعه فجمع وقصر بحجة أنه إمام (وما جعل الإمام إلا ليؤتم به) أو باعتبار أننا في سفر فكان القصر، وللحاجة وقع الجمع إذ إن الشارع أباح الجمع (لمطلق الحاجة وليس للحاجة المطلقة). وهناك من لم يجمع أو يقصر أخذاً بكلام الشيخ ابن عثيمين رحمه الله بأن الخروج للنزهة لا يعد سفراً مهماً كانت مسافته. ولم ينته الأمر عند هذا الحد بل هؤلاء الذين أخذوا بهذه الفتوى منهم من اقتصر على عدم الجمع والقصر ومنهم من زاد فالتزم بأداء السنن الرواتب حاله حال المقيم في جميع الأوقات. وهناك فريق ثالث قصر ولم يجمع أخذاً بالسنة دون الرخصة.
في المساء ومن الغد كثر الحديث والنقاش في هذه المسألة فصار منا من صلى ظهر السبت أربع ركعات مع أنه كان بالأمس قد جمع وقصر، ومنهم من استمر على حاله يقصر ويجمع، والثالث قصر ولم يجمع مع الظهر العصر بل صلى كل صلاة بوقتها. أعرف أننا لسنا أول من يناقش هذه المسألة ويشكل عليه الأمر، فالجمع والقصر من أكثر المسائل الفقهية محلاً للخلاف ونحن في حكم المقلد والتابع حين التطبيق. وهذا الخلاف وما ماثله (خير لا شر فيه) كما يظن البعض، هو دليل على صلاحية هذا الدين زماناً ومكاناً وحالاً، فيه برهان بين على رحمة الرب بعباده، وعلى هذا فالتشدد في مثل هذه المسائل تضيق لواسع وليس هو الأصل في الإسلام، بل إن ذلك المسلك مناف لروح الشريعة السمحة التي عرفت عبر تاريخها الطويل منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وحتى اليوم الخلاف حين التطبيق في الأمور التعبدية مع سلامة العقيدة وصحة المعتقد الذي هو الأس والركيزة لجميع أفعال المسلم كما هو معلوم، وما المذاهب الأربعة، وما خلاف الفقهاء والعلماء في مسائل عدة سواء في أمر الوضوء من لحم الإبل أو الجمع والقصر أو موضع اليدين حين الوقوف للصلاة وغير ذلك كثير إلا مجرد أمثلة على ما نحن بصدده في هذا المقال، والقارئ في أحداث السيرة يجد أن الخلاف وقع بين الصحابة رضوان الله عليهم في مثل فهمهم لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا يصلي أحدهم العصر إلا في بني قريظة، إذ إن منهم من فهم أن المراد الاستعجال فصلى في الطريق حين دخل الوقت، وأخذ البعض الآخر بحرفية الأمر فلم يصل حتى وصل حصون يهود بني قريظة، ولما علم عليه الصلاة بالفعلين أقر الجميع ولم يثرب لا على هؤلاء ولا أولئك فالحمد الله الذي جعلنا مسلمين ومنّ علينا بعلماء ربانيين يبصرون العامة بالحق ويرشدون الناس إلى الخير ويدلون الضال جادة الصواب وطريق الله المستقيم ويبينون لنا الموقف الشرعي الصحيح في مثل هذه المسائل الخلافية التي قد تشكل على البعض منا ويظن أن ذلك قدح في الدين ونقصان بالتبيان والايضاح من قبل الموقعين عن الله وإلى لقاء والسلام.