تُعد منطقة الجوف من المناطق التي تحظى بأهمية تاريخية نظراً لكونها من أقدم المناطق المأهولة بالسكان في الجزيرة العربية، وأقدم ما كُتب عن الجوف يعود إلى ما بين القرن الثامن والسابع قبل الميلاد.
ولموقع منطقة الجوف مكانة مهمة منذ القدم، فهي تقع على طريق التجارة بين الجزيرة العربية وبلاد الشام ومصر، وطريق الحجاج البري إلى بيت الله الحرام، وما زالت تحتل مكانة أساسية كمنطقة حدودية للمملكة.
وتزخر المنطقة بعدد من المواقع الأثرية من قلاع وحصون وقصور أثرية وتاريخية، إضافة إلى مواقع أثرية استوطنتها حضارات تاريخية متعددة.
أعمدة الرجاجيل
يعد موقع أعمدة الرجاجيل والذي يقع على مسافة 10كم إلى الجنوب الشرقي من مدينة سكاكا بمنطقة الجوف من أشهر المعالم الأثرية في المملكة. يتميز الموقع بوجود مجموعات من الأعمدة الحجرية المنتصبة، التي تشترك بتعامدها مع شروق وغروب الشمس، ويوجد في الناحية الغربية من كل مجموعة بناء على شكل نصف دائرة فيما عدا واحدة، والكثير من هذه الأعمدة محطم وتتوزع في مجموعات تشمل كل مجموعة أربعة أعمدة ارتفاع الواحد منها نحو ثلاثة أمتار، ويعود تاريخها تقريباً إلى الألف الرابع قبل الميلاد.
جاءت تسمية الموقع بـ (الرجاجيل) من جمع رجال، لأن المشاهد لها من بعيد يظن أن هذه الأعمدة رجال واقفون.
عثرت البعثة السعودية - الألمانية للتنقيب في موقع الرجاجيل على مكتشفات أثرية في الموقع تعود إلى العصر النحاسي (7000 سنة).
قلعة زعبل.. حصن شامخ يعلو سكاكا
تعد قلعة زعبل في منطقة الجوف أحد أهم المعالم التاريخية والتراثية في المنطقة، مما جعلها مقصداً رئيسا للزوار والسياح.
تقع قلعة زعبل الواقعة في الجهة الشمالية الغربية من مدينة سكاكا بمنطقة الجوف، ويعتقد أن تاريخ بنائها يرجع إلى 200 عام مضت؛ لحماية طريق تجاري، وتأمين مدينة سكاكا؛ كونها موقعًا حصينًا يشرف على الواحة.
بُنيت القلعة من الحجر الرملي غير المنتظم والطين، على مرتفع صخري يعلو بنحو 30 مترًا، على أنقاض قلعة أقدم منها، كمنشأة حربية بحتة؛ كونها لا تضم في داخلها سوى غرفتين. وتتكون القلعة من مدخل رئيسي، يقع في الجهة الجنوبية الشرقية ملاصق للبرج الجنوبي الشرقي من القلعة، وهذا المدخل صغير لا يمكن الصعود له إلا من خلال طريق واحد من الجبل، عبارة عن درج من الحجارة، وكلما ارتفعت القلعة يضيق هذا الدرج، كما تضم القلعة أربعة أبراج أسطوانية الشكل في أركانها، قطر كل منها ثلاثة أمتار تقريبًا، ترتفع عن أرضية القلعة بحوالي 5 أمتار، كما يضم كل برج مدخلًا صغيرًا يؤدي إلى داخل القلعة.
تحتوي القلعة بداخلها على خزان مربع الشكل لحفظ الماء، محفور في أرضيتها الصخرية، وتحتوي جدرانها على شرفات مدرجة في أعلاها، وفتحات مربّعة ومستطيلة الشكل تُسمى «المزاغل».
بئر سيسرا
تعد بئر سيسرا من أهم الآبار الأثرية وأكبرها في الجزيرة العربية.
تقع في الطرف الشمالي من مدينة سكاكا بالقرب من قلعة زعبل، وهي عبارة عن بئر محفورة في الصخر الرملي، شكلها بيضاوي، وقطراها 8×9 م وعمقها نحو 15 م، ونحتت على جوانبها الداخلية درجات تصل إلى قاعها، وتوجد قناة محفورة في الصخر في داخلها كانت تستخدم لنقل المياه إلى المزارع، وهذا النوع من أنظمة الري كان معروفاً خلال الفترة النبطية (القرن الميلادي الأول).
تعتبر بئر سيسرا المنحوتة في الصخر أحد أبرز آثار المنطقة والتي تعود تسميتها للقائد العسكري الكنعاني سيسرا والذي حارب اليهود في فلسطين، وكان قائداً لجيش الكنعانيين ويرد ذكر اسمه في النصوص التوراتية والمسيحية على انه عدو لليهود. وتتميز البئر بوجود درج منحوت في الصخر، كما أن فيها نفقاً يصل إلى خارج المدينة.
قلعة مارد
تقع قلعة مارد على تل مرتفع في مدينة دومة الجندل جنوب غرب مسجد عمر. وأقدم ذِكر لها يعود إلى نحو القرن الثالث الميلادي عندما غزت ملكة تدمر زنوبيا دومة الجندل وفيها قالت: « تمرد مارد وعز الأبلق «، والمارد في اللغة صفة لكل شيء تمرد ويستعصي.
وينقسم تصميمها المعماري إلى قسمين أحدهما مدني للإعاشة والسكن والإدارة، والآخر حربي للمراقبة والنذار بالحرب والقتال.
وقد كشف عدد من علماء الآثار عن العثور على بقايا معمارية ترجع إلى الفترة النبطية والرومانية (بين القرنين الأول ق.م والرابع الميلادي) في قلعة مارد.
وذكر تقرير للبعثة السعودية - الايطالية - الفرنسية المشتركة للتنقيب في موقع دومة الجندل أن أعمال التنقيب في الموقع كشفت عند السور الغربي لواحة دومة الجندل عن وحدة معمارية لحي سكني ترجع إلى العصرين النبطي والروماني.
كما تم العثور على أساسات معمارية ترجع للعصر الروماني عند أبراج السور ونظام للري مرتبط بقنوات وأنفاق بدومة الجندل.
وأشار فريق البعثة إلى أنه قد تم الكشف عن عدد من النقوش الإسلامية المبكرة والنقوش الثمودية والنبطية في مواقع مويسن والنيصة وجبل قيال، إضافة إلى العثور في الموقع على مستوطنة ترجع للعصر الحجر الحديث (الألف الرابع ق. م).
حي الدرع في دومة الجندل
يمثل حي الدرع التاريخي في دومة الجندل بمنطقة الجوف معلما سياحيا وتاريخيا مهما نظرا لما يضمه من المواقع الأثرية والتراثية المميزة. ويستقبل الحي التاريخي أسبوعيا عددا كبيرا من الزوار من منطقة الجوف وخارجها، كما يشهد فعاليات سياحية وتراثية في الإجازات الموسمية.
ويقع ‹›حي الدرع›› الذي تمت الموافقة السامية على العمل على تسجيله في قائمة التراث العالمي بجانب مسجد عمر بن الخطاب التاريخي وقلعة مارد الأثرية، ويعد أحد الآثار الباقية من مدينة دومة الجندل القديمة التي سلمت من معاول الهدم التي طالت سوق دومة الجندل التاريخي قبل نحو25 عاماً. وتعود منشآت الحي إلى العصر الإسلامي الوسيط، لكنها تقوم على طبقات أثرية وأساسات تعود إلى منتصف الألف الأول قبل الميلاد. ويتميز الحي بمبانيه الحجرية ووقوعه بين البساتين ومسارب الماء التي كانت تؤمّن الحياة لساكني الحي من العيون القريبة.
مسجد عمر بن الخطاب
يعد مسجد عمر بن الخطاب في دومة الجندل، الذي يقع بجانب قلعة مارد في حي الدرع من الجهة الجنوبية، من أهم المساجد التاريخية في المملكة. وتنبع أهميته من تخطيطه الذي يمثل نمط المساجد الأولى، مثل مسجد الرسول - عليه الصلاة والسلام - في المدينة المنورة. بالإضافة إلى أن من أمر ببنائه هو الفاروق عمر بن الخطاب، وذلك عندما كان متوجهًا لبيت المقدس عام 16 هجري.
تقع مئذنة المسجد في الركن الجنوبي الغربي من البناء، وهي مربعة الشكل طول ضلعها عند القاعدة 3 م، وتضيق إلى الداخل كلما ارتفعت إلى الأعلى حتى تنتهي بقمة شبه هرمية. ويبلغ ارتفاعها حوالي 12.7 م، والجزء الأسفل منها مربع الشكل، أما من الداخل فتقسم المئذنة إلى أربعة طوابق مبنية على سقف الممر الذي يؤدي إلى الطريق الخارجي، وكان الدخول إلى المئذنة يتم من خلال الصعود إلى سقف المسجد ثم إلى الطابق الأول منها. وقد استخدم الحجر المنحوت في بناء المسجد والمئذنة كما هو في مباني قلعة مارد.
سور دومة الجندل
يحيط سور دومة الجندل بمدينة دومة الجندل القديمة وهي المدينة المعروفة بتحصيناتها القوية، وهو سور ضخم يمتد إلى عدة كيلومترات حول المدينة، وتبعد أقصى نقطة لهذا السور من مركز المدينة مسافة 2 كم تقريبا، أما الأجزاء المتبقية منه فتقع في الجزء الغربي وجانب من الجزء الشمالي من المدينة، ومع مرور الزمن وعوامل الطبيعة اختفت الأجزاء الجنوبية والشرقية من السور حول المدينة.
والسور مبني من الحجارة وهي نفس الحجارة ونفس النمط الذي بنيت به قلعة مارد والتي تقع على مقربة منه، وتوجد إلى جوار السور أسوار وأبراج أخرى ملحقة بالسور هدفها تحصين وتأمين المدينة أيضاً، ومنها أبراج مستطيلة الشكل لها فتحتان، وكلها ملحقة بالسور عن طريق جدار من الطين من الداخل.
أما ما تبقى من السور حتى الآن في منطقة المرتفع الصخري الذي يحف بالمدينة غربا فتظهر على قمة المرتفع الغربي بقايا الأسوار التي تنحدر باتجاهين نحو الشمال لتحيط بالمدينة من ضلعها الغربي ونحو الشمال الشرقي باتجاه أطراف المدينة الجنوبية الغربية.
قصر كاف بالقريات
يعد قصر كاف من أبرز المعالم التاريخية والأثرية في منطقة الجوف وبالتحديد في القريات. ويقع هذا القصر في القرية التي ينسب إليها، وهي قرية كاف الواقعة إلى الشرق من محافظة القريات بنحو (18)كم، حيث كانت هذه القرية محطة من محطات طريق القوافل القديم في شمالي الجزيرة العربية، ثم أصبحت حامية عثمانية، حتى بدأ الاستيطان فيها لأغراض تتعلق باستخراج الملح والمتاجرة فيه.
وفي الثمانينات الهجرية رحل أهالي قرية كاف إلى النبك فأصبح قصر كاف مقراً لخفر الطرق في المنطقة، حيث استمر كذلك حتى مطلع القرن الخامس عشر الهجري عندما هُجر ذلك القصر وكاد أن يصبح خراباً، حتى قامت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني بإعادة ترميمه وتسويره بسياج حديدي من أجل المحافظة عليه ليكون شاهداً تاريخياً ومعلماً آثارياً للمنطقة وأهلها.
ويحوي القصر شواهد تاريخية ومعالم أثرية تعود لفترات إسلامية مختلفة، حيث تم استخدام القصر لأغراض عسكرية، ومحطات استراحة للحجاج والمسافرين.
قصر الحواس
قصر الحواس التراثي يقع في محافظة القريات، ومن قصورها التاريخية والتراثية المعروفة. وهو مبنى طيني مربع الشكل، بنيت قمم الجدران بحجارة للمحافظة عليه من التهدم، له برجان من الجهة الشمالية والجنوبية، شُيد هذا المبنى على مرتفع صخري يشرف على المزارع وعلى عين الحواس.