د. محمد بن أحمد الصالح
لقد شعرت باسى وحزن عميق وألم بالغ لما وقع من اعتداء الكلاب على الأطفال مما نتج عنه وفاة بعضهم، حيث رغب الكثير من الناس اقتناء الكلاب بل والتباهي بها، وقد قال المصطفى -صلى الله عليه وسلم- في جواز اقتناء الكلب في ثلاثة جوانب من الحياة (كلب الصيد وكلب الحرث وكلب الحراسة). وقد أشار المصطفى -صلى الله عليه وسلم- إلى أن من اقتنى كلباً لغير هذه الأغراض الثلاثة ينقص من عمله كل يوم قيراطان: والقيراط مثل الجبل المتناهي في الحجم. ولهذا يمتنع بيع الكلب، وأنه يقتل وليس له قيمه، ولو علم الناس ما في اقتناء الكلاب لغير الأغراض الثلاثة من الأضرار والمشكلات الكبيرة والمخاطر الجسيمة من وجود الكلب في البيت لسارع الناس للتخلص من الكلاب ليحافظوا على أنفسهم وعلى نسائهم وذرياتهم.
فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: (واعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جبريل عليه السلام في ساعة يأتي إليه فيها، فجاءت تلك الساعة ولم يأته وفي يده عصا، فألقاها من يده، وقال: ما يخلف الله وعده ولا رسله، ثم التفت فإذا كلب جرو تحت سريره، فقال: يا عائشة متى وصل هذا الكلب هاهنا؟ فقالت: والله ما رأيت، فأمر به فأُخرج، فجاء جبريل، فقال ما منعني إلا الكلب الذي كان في بيتك، إنا لا ندخل بيتاً فيه كلب أو صورة)، وكون النبي -صلى الله عليه وسلم- قد نهى المسلمين من اقتناء الكلاب في المنازل فهذا أمر يدركه كل عاقل.
وقد نبَّه عليه السلام على الأضرار والشرور المترتبة على استعمال أدوات المنزل بقوله عليه السلام (إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبعاً، ومع الثامنة التراب) حتى نتحقق من إزالة شروره والجراثيم الناشئة عنه.
ولقد أثبت العلماء مساوئ الكلاب والأضرار الناتجة عن اقتنائها، فلو قسنا حديث المصطفى -صلى الله عليه وسلم- على ما يحدث بالفعل في بعض المنازل لرأينا بأعيننا:
1 - أن الكلب يتبول في كل ركن من أركان المنزل فينشر رائحة البول الكريهة.
2 - إنه يتبول فور سقوط أي شيء على الأرض فتتسخ الأشياء.
3 - أنه يتبرز في الأماكن الهادئة المغلقة مثل الصالونات فيفسد السجاجيد ويفسد الجو العام.
4 - إذا أصيب بالإمساك راح يمسح أسفله في السجاجيد حتى يعين نفسه على التبرز، فيلوث المكان.
5 - من طبيعة الكلاب أنها تقوم بحركات حيوانية جنسية من آن لآخر أمام أنظار الجميع، وقد تفتح هذه الحركات عقول وأعين الأطفال على أمور من المستحسن إرجاؤها إلى ما بعد البلوغ.
6 - أنف الكلب ولعابه يحملان ألواناً من الميكروبات والنجاسات لا حصر لها، ويكفي أنه يشم وينظف أعضاءه التناسلية بلسانه، ثم يأكل في الصحون ويلعق صاحبه، من أجل ذلك قال الصادق المصدوق محمد -صلى الله عليه وسلم- الذي لا ينطق عن الهوى إن هو الا وحي يوحى (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً وليعفره الثامنة بالتراب)، فإزالة الأذى الذي خلفة شرب الكلب في الإناء يحتاج غسلة وتعقيمه إلى سبع غسلات وتكون الثامنة مع التراب.
7 - الكلب في البيت ينبح كلما سمع صوت قادم فيروع الأطفال والكبار، ويخيف الضيف، وقد يؤذي المارة.
8 - الكلب بالإضافة إلى ما يحمله من لعاب وميكروبات فإنه ومن خلال الطب الحديث نعلم أن الكلب يجذب الحشرات الضارة كافة مثل البراغيث وحشرات أخرى.
وإذا كان الإسلام قد أمرنا بالرفق والإحسان إلى الكلاب، وذلك أن رجلاً رأى كلبًا يأكل الثرى ويلهث من العطش فنقل الرجل الماء بخفه فسقى الكلب فغفر الله له وأدخله الجنة. يقول الصحابة ألنا في هذا أجر. يا رسول الله قال: (إن في كل كبد أجر)، وقال (إن امرأة بغي ممن كان قبلكم قد سقت كلبًا فكفر الله عنها فدخلت الجنة بعملها)، والرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يأمرنا بالقسوة عليها أو إعدامها فقد قال: (لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها).
ولكن رسولنا نهانا عن اقتناء الكلاب داخل البيوت، ولكنه أقر اقتناءها في الصيد والحراسة، أي خارج البيت في الحدائق والمزارع، وذلك ترفقًا بنا نحن.
وإذا كان قد قال ابن المرزبان في كتابه (تفضيل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب) فهذا لا يمنع في الحقيقة وفاء الكلاب وقد جرى هذا في مواقف كثيرة، والذي نقول بمنعه دخول الكلاب في المساكن فليبقى إذن الكلب خارج المنزل للحراسة والحرث والصيد.
عصم الله أمتنا من جميع الذنوب والآثام ويعصمنا من تقليد الآخرين، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
** **
أستاذ الفقه بكلية الشريعة وعضو المجلس العلمي بجامعة الإمام وعضو مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر والخبير في المجامع الفقهية