محمد آل الشيخ
لم أفاجأ عندما أعلنت حكومة أردوغان منع الإساءة لجمهورية مصر العربية ومعها دول الخليج العربي من قبل قنوات الإخونج الفضائية التي تبث من تركيا، وترددت أنباء لم أتأكد من صحتها أن بعض القيادات الإخوانية هناك فُرضت عليهم الإقامة الجبرية، وأكاد أجزم أن هذه الإجراءات التي اتخذتها الحكومة التركية هي أول الغيث الذي سينهمر فيما بعد، فكل المؤشرات تؤكد أن تلك الجماعة تم توظيفها لهدف معين، ولما انتهت وظيفتها ألقي بها في سلة المهملات.
تركيا راهنت على الإخوان في الربيع العربي ليكونوا وسيلة لها للوصول إلى دواخل الدول العربية؛ نظراً لما تتمتع به هذه الجماعة في الماضي من شعبية واسعة وتنظيمات سرية فاعلة، لكن هذا الرهان فشل بفشل الربيع العربي، ونتيجة لذلك تدنت شعبيتها، وتحولت إلى عبء على الدول التي احتضنت أساطينهم، خاصة أن الرئيس بايدن الذي كانت جماعة الإخوان وممولوهم يراهنون على أنه سيتبنى تفعيل دورهم كما فعل سلفه أوباما، لكنه لم يلتفت إليهم، واعتبرهم ورقة محروقة، الأمر الذي دفع أردوغان إلى التوجه للتخلص منهم، ولا سيما أن تكلفة الاحتفاظ بهم، وإتاحة مساحة للترويج لخطابهم السياسي تكلفة كبيرة، وليس ثمة ما يُبرر الإصرار على التحالف معهم.
تركيا كانت آخر الدول الوازنة في المنطقة التي وفرت لهم ملاذاً مريحاً، وفي تقديري أن تخلي الأتراك عنهم سيشكل لهم ضربة قوية وفي الصميم، خاصة وقد سخروا للتصفيق للرئيس أردوغان والترويج له كل منصاتهم الإعلامية على مدى نحو عشر سنين، واعتبروه بمثابة (الخليفة) الذي سيعيد الخلافة المفقودة إلى دولة بني عثمان. وانخدع كثير من بسطاء وسذج الإخوان بالخطاب الأردوغاني المتأسلم، وهرب كثير من الإخونج العرب من أوطانهم، واتخذوا من تركيا وطناً بديلاً، على اعتبار أن بلاد الأتراك هي (نواة) الدولة الأممية، التي ستذوب فيها أوطان العرب والمسلمين مستقبلاً . غير أن كل هذه الأحلام تبخرت وتلاشت يوم الخميس الماضي، عندما (باعهم) من كانوا يعدونه الخليفة بثمن بخس إلى من كانوا يعتبرونهم أعداءهم. وأكاد أجزم أن هذه الضربة من حيث المدلول المعنوي لا تقل عن هزيمتهم في ما كان يسمى الربيع العربي، ولا أعتقد أنهم بعد الآن ستقوم لهم دولة إن أصروا على خطابهم التقليدي، فقد كانت كل ما بقي من آمالهم أن يحتضنهم أردوغان، ظناً منهم أنه إخواني مؤدلج، يقدم المبادئ على المصالح في سلم أولوياته، إلا أنهم اكتشفوا أخيراً أنهم أرخص الأوراق التي كان يمتلكها، لذلك ضحى بها في أول مقايضة سياسية.
الآن ليس أمام هذه الجماعة التي تخلى عنها الكثيرون من العرب والمسلمين إلا مراجعة خطابهم مراجعة حقيقية، والاستفادة من الفشل الذي استحوذ على تجاربهم السياسية؛ وهذا يتطلب العودة، والبداية من جديد، والتخلي عن بعض الثوابت التي تمسكوا بها، ونمّوا عليها كوادرهم، وهي أهم أسباب فشلهم، ألا وهي (الدولة الأممية)، أو دولة الخلافة، فلا مفر من القبول بالدولة الوطنية، التي يسمونها في أدبياتهم (الدولة القطرية). ولكن، هل بإمكانهم هدم البيت بأكمله، وإعادة بنائه من جديد على أسس جديدة؟.. أشك في ذلك.
إلى اللقاء