الهادي التليلي
المشهد الجيو سياسي الذي يختلف عن نفسه يوماً بعد يوم بحكم المتغيرات السريعة التي تتحرك في كل لحظة وآن وفق سردية ترفض الثبات وتتطلب ما يكفي من الحكمة والقراءات المحينة للواقع وما يستتبع عنه من أفعال تفي للمتغير والمحدث فالعالم الجوسياسي بورصة من الأحداث تتطلب التعديل في كل لحظة وهنا يبرز الفارق بين الدول ذات القوة المؤسساتية والنسقية التي يسمح لها نظامها بالقراءة وإعادة القراءة في كل حركة للواقع وبين التي تسكن في قرار حكمه ظرف وتزمين معينين فالقرار الصائب في مجال الحرب والسلم هو اقتناص حكيم لفرصة تاريخية قد لا تتكرر ومكسب ديبلوماسي في معركة أشمل قاعدتها «من يمتلك المعلومة يمتلك الميدان».
فالمبادرة السعودية التي من أهم نقاطها الوقف الشامل لإطلاق النار تحت مراقبة الأمم المتحدة كالسماح للحوثيين بفتح مطار صنعاء لعدد محدد من الوجهات الإقليمية وتخفيف الحصار على ميناء الحديدة على الساحل الغربي وإيداع الإيرادات والمداخيل المتأتية من ضرائب الميناء بحساب مشترك بالبنك المركزي جاءت لتنهي حرب الست سنوات بما فيها من آلام ومآسٍ إنسانية وانسداد آفاق الحياة والمصير أمام بلد عكر صفوه الطمع الإيراني وطموحاته التوسعية في المنطقة.
المبادرة السعودية تعد كسبا ديبلوماسيا للتحالف السعودي - الإماراتي وترمي الكرة في ملعب الحوثيين وتورط من يقف وراءهم من «الإيرانيين» وتضربهم في مقتل لأسباب أولها أن من يعرض مبادرة سلام هو في الغالب الطرف المستقل الذي يتخذ مسافة بين الفرقاء وله من الثقل الميداني ما يسمح له بأن يقدم مبادرة إنهاء حرب وثانيها اتخاذ مبادرة في هذا الوقت بالذات سحب لكل لحاف خارجي يمكن أن يبرر التواجد الحوثي على الميدان ديبلوماسيا أوالركوب عليه للابتزاز والاستثمار فيه على حساب شعب تنحره الجرائم الحوثية في كل يوم وهنا المبادرة تجعل الدول العظمى ونعني أمريكا وروسيا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي أمام مسؤولية تاريخية وثالثها إنقاذ ما يجب إنقاذه من الإنسان اليمني الذي حرم من التعليم والحياة الكريمة في ظل استعمار إيراني بالوكالة وبالتالي استجابة للمنظمات الإنسانية والمجتمع الدولي الذي تختفي خلف بعضه جهات مشبوهة تنسى أو تتناسى بأن التحالف تدخل لحماية الشرعية وإنقاذ اليمن والدليل أن أكثر مساعد لليمن في محنته من الجانب الإنساني هي السعودية، فعلى هذا المحتمع الدولي تحمل مسؤوليته واتخاذ ما يشبه مواقفه التي يعلنها لتجسيد المبادرة.
ورابعها حصر الحوثيين في زاوية وفضحهم أمام المجتمع الدولي بكونهم طلاب حرب وإخراجهم من الكهوف التي يختبئون فيها إلى المشاركة المجتمعية وبالتالي كشف إفلاسهم وخواء خطابهم الذي لا يتجاوز حمل رشاش أو رمي مقذوفة أو طائرة مسيرة تنتجها ايران لتؤجج نيران الحرب بين أبناء الشعب الواحد وهذه نقطة جد مهمة في الحرب الذكية التي تجعل الآخر يهزم نفسه.
المبادرة السعودية التي أعلن عنها وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان تعد درسا سيذكره العالم والتاريخ لكونها أحسنت فعلا اقتناص ما قدمه التاريخ من متغيرات في الشأن الدولي لتؤدب الحوثيين دبلوماسيًا مما بعثر أوراقهم فجاءت ردودهم متناقضة متلعثمة ويحتاجون إلى كثير من الوقت لهضمها فالعالم يتغير والتحالفات تتعاود وعدو الأمس قد يكون صديق الغد ورقعة الشطرنج لهذا العالم تعطي درسا للفرقاء اليمنيين جاءت المبادرة لتجعلهم أمام خيار المصير المشترك والشراكة في البناء عوض المشاركة في تعطيل التنمية في بلدهم وهو درس يجعل اليمنيين أمام خيار لا مناص منه هو الاستفاقة من غفوة الحرب فالإيرانيون في سبيل ملفهم النووي ومصالحهم مستعدون لا للتخلي عن الحوثيين فحسب بل لرميهم إلى ما وراء البحار إذا تطلبت مصلحتهم ذلك.
فالمبادرة قدمت لليمنيين بمن فيهم الحوثيون فرصة للتحاور وبناء ثقة خارج خيارات البنادق التي لا جدوى منها سوى هدم الذات وأحرجت طلاب الحرب حتى أمام الكساء الديني الذي يحجبون به جرائمهم حيث يلزمهم القرآن بالاستجابة والموافقة على المبادرة وكل مبادرة سلام وهو ما ورد في الآية 61 من سورة الأنفال بصيغة الأمر {وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا}.