مها محمد الشريف
من الطبيعي بمكان أن يكون لكل مشروع قيمته المعرفية والعلمية وبذل جهود ضخمة من الدراسة إلى التنفيذ، وهذا هو ما تطمح إليه كل الدول والمملكة العربية السعودية عملت على تطوير وتصنيع مجموعة من الأقمار الصناعية ذات الكفاءة العالية التي توفر خدمات التصوير والاستطلاع، حيث أطلقت خلال العشرين عاماً الماضية 17 قمراً صناعياً.
ومن مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية تم الإعلان عن إطلاق قمرها السابع عشر، باسم (شاهين سات)، المخصص للتصوير الفضائي وتتبع السفن البحرية، والقمر الصناعي التعليمي (CubeSat). ويقدر هذا الإنجاز لجامعة الملك سعود كونها أول جامعة سعودية تُطلق قمرًا صناعيًّا مكعبًا CubeSat بحجم 10*10*10 سم، ووزن 1 كيلوجرام، ولديها محطة أرضية يمكنها التواصل مع الأقمار الصناعية الصغيرة والكبيرة ومحطة الفضاء الدولية.
لا شك أن هذه الإنجازات تخبرنا عن تمكين قطاع الفضاء في المملكة وتحقيق الأهداف التي تطمح لها كل دول العالم من علوم الفضاء وعلوم الأرض والطب والتي تعتبر جزءاً من تاريخنا المجيد، واليوم استمر العمل لينتقل معنا إلى مستقبل اقتصادي واستراتيجي يترجم التطور والتقدم في جميع المجالات التي ترتبط به الخدمات والتقنيات، ونقل تقنيات الفضاء وتوطينها بما يتوافق مع أهداف رؤية المملكة 2030.
فالواقع تيار مستمر يستمد استمراريته مما سبقه من زمن ففي ديسمبر 2018 اعتبر نجاح إطلاق القمرين الصناعيين السعوديين محصلة للجهود التي بذلتها مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية على مدى سنوات في نقل وتوطين وتطوير العديد من التقنيات المتقدمة، ومنها تقنيات الأقمار الصناعية وبناء الكوادر الوطنية القادرة على التعامل مع هذه التقنيات، وإنشاء البنى التحتية المتطورة.
هكذا إذن تكون النتائج المبهرة التي تكرس روح الاعتزاز والفخر، وخاصة أن أول رائد فضاء عربي رئيس مجلس إدارة الهيئة السعودية للفضاء، الأمير سلطان بن سلمان، قد أعلن عن إطلاق قمرين صناعيين سعوديين بأيدٍ سعودية، وقال سموه “نهنئ أنفسنا بإطلاق قمرين صناعيين لمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية وجامعة الملك سعود، مصنّعة بأيدٍ سعودية”.
إن العلم يضيء المشاهد الخلفية في الحياة، فالرسالة كونية شاملة لجميع الأقسام من علوم الأرض إلى علوم الفلك والفضاء، وحرص علماء المسلمين على هذه العلوم والمعارف تؤكد أن الكون تحكمه عدة قوانين لابد من تأصيلها وإتاحة دراستها، عبر مؤسسات معنية بعلم الفلك وعلوم الفضاء ودور أكبر من جمعيات وأقسام في الجامعات.
وعلى هذا النحو يمكن القول إن الأمير سلطان بن سلمان خير من يقوم بهذا الدور العظيم بإدارة جامعة متخصصة في هذا العلم العميق الذي يقود إلى تقويم تكويني، يستمد المرء منه تاريخ عظماء المسلمين العرب الذين سبقوا الغرب وتقدموا عليهم قروناً عديدة، لاسيما وأن سموه أول رائد عربي مسلم حصل على نوط الفضاء من ناسا.
وفي نفس الدائرة توظف الأولويات حسب أهميتها، وفوائدها العلمية الكبيرة فيبصر العقل الخيرات القصوى محققاً نقلة حضارية لا تقل شأناً عن حضارات العالم الغربي، فإن التطور جعلنا ندرك أن المملكة تولي العلم اهتماما كبيرا، والعصر الحاضر حوّل أهم البرامج العلمية إلى دراسات عالمية نهضت بالبحث العلمي إلى مشروع هائل ضخم نفذته الإدارة الوطنية للملاحة الفضائية والفضاء «ناسا» بما في ذلك دراسة كسوف الشمس والتقاط صور للهالة الشمسية وقدمت معلومات هندسية مفيدة التي من شأنها مهدت لبرامج عملاقة خدمت التقنية الحديثة، وقد راعت التدرج بكل تفاصيله، وفي سياق التطور العلمي العربي يجدر القول إنه ينحو منحى الخصوصية في أغلب المجالات المعرفية لا تخشى تطوراً يتخطى ذاتها بل تحشد الطاقات والقدرات للوصول إلى منصات العلم والعلماء.
وإن أهم النتائج لهذه الدراسة تأسيس المجتمع على أدلة عقلية تهيئ للإنسان التميز، فقد وجه الإسلام المسلم إلى إيجاد طرق لاستعمال النجوم. فقال تعالى (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ(97)).. وينبغي أن نشير إلى أهمية هذه العلوم وما قدمه علماء المسلمين، أمثال البيروني وابن الهيثم وابن فرناس وغيرهم، والدراسات العظيمة التي عكفوا عليها ليقدموا نتائج حركة النجوم وتأثيرها القوي على مصير الناس ومجرى الأحداث في الأرض.
إن إرساء حضارة علمية تشارك في سباق الفضاء ومهارات العالم، والعلوم المتقدمة، توطد الصلة بين المسؤولية والأهداف، كما أن للعلم دوراً كبيراً في بلادنا الحبيبة، فقد بلغ نمو الحاجات التقنية في حياة الناس نمطاً مختلفاً أشركهم في تبادل ضخم، فعلى الجميع الإسهام في السياقات الفكرية للمسألة. وكلما ازداد العلم ألقاً أشرقت نفوس الناس بالمعرفة.