د. عبدالحق عزوزي
رأينا الأسبوع الماضي كيف أن الولايات المتحدة الأمريكية تؤسس لتحالفات آسيوية جديدة، واستندنا إلى أقوال وزير الدفاع الأمريكي الذي أكد أن «ميزتنا التنافسية قد تآكلت. لا تزال لدينا ميزة لكننا سنقويها». وتابع «هدفنا هو التأكد من أن لدينا القدرات والخطط والمفاهيم العملياتية لنكون قادرين على توفير ردع موثوق أمام الصين أو أي جهة تريد مهاجمة الولايات المتحدة الأمريكية».
وأردف الوزير قائلا: «ما أريده أنا ووزير الخارجية هو البدء في تعزيز هذه التحالفات. الاستماع وفهم وجهة نظرهم (...) بهدف التعاون معهم لكي نتأكد من أننا نعزز الاستقرار الإقليمي».
وبعد هذا الكلام تبادل مسؤولون أمريكيون وصينيون «عبارات حادة» في أول محادثات رفيعة المستوى أجرتها إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن مع الصين. كما اتهم المسؤولون الصينيون الولايات المتحدة بتحريض دول على «مهاجمة الصين»، أما الأمريكيون فقالوا إن الصينيين جاءوا «بنية العجرفة».
وجرى تبادل الاتهامات أمام وسائل الإعلام العالمية واستمر لأكثر من ساعة من الزمن، في أول جولة من المحادثات بين الطرفين. والظاهر أن العلاقات بين الصين والولايات المتحدة هي الأسوأ منذ عدة سنوات، ويبدو أنها تتجه نحو المزيد من التدهور. فقبل تعيينه في منصبه الحالي كمستشار للأمن القومي، شارك سوليفان مع كبير مستشاري بايدن للشؤون الآسيوية كورت كامبيل في كتابة مقال نشرته مجلة (فورين أفيرز) قالا فيه بصراحة ووضوح إن «حقبة التواصل مع الصين وصلت إلى نهايتها».
وفي نفس التوقيت، وبكلام مشحون بالسخرية، رد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين على اتهامات الرئيس الأمريكي جو بايدن له بـ»القتل» و»خواء الروح» أن بايدن يحاول إسقاط ما في نفسه على آخرين، متمنيًا أن يكون نظيره الأمريكي في صحة جيدة. وقال بوتين: «إننا عادة ما نرى ما بأنفسنا في الآخرين، ونظنّ أنهم على ما نحن عليه. وعندئذ نطلق أحكامنا عليهم».
وأضاف الرئيس الروسي: «تماماً كما قال (بايدن)، كلانا يعرف الآخر جيداً. بماذا يمكنني أن أردّ عليه؟ حريّ بي أن أقول: «أتمنى لك صحة جيدة. أقولها ولا أضمر أي سخرية». كما دعت موسكو سفيرها في واشنطن للعودة إلى بلاده لإجراء مشاورات حول مستقبل العلاقات الروسية الأمريكية. ويرى الخبراء الاستراتيجيون أن استدعاء السفير بهذا الشكل رغم أن موسكو وصفته بالدعوة، أمر نادر في العمل الدبلوماسي الروسي.
من جهة أخرى تعد تصريحات بايدن عند توجيه المذيع الشهير جورج ستيفانوبولوس في تلفزيون «إيه بي سي» الأمريكي خلال حوار الأربعاء سؤالاً مباشرًا له، خارج إطار الأعراف الدبلوماسية وبخاصة تلك التي تحكم العلاقات بين البلدين. هذا من جهة، ومن جهة أخرى قام وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، في أول رحلة خارجية له منذ توليه منصبه في 22 كانون الثاني/ يناير، في عدد من الدول الآسيوية في مسعى للتأسيس لتحالفات متنوعة تهدف لمواجهة صعود الصين. والتحق أوستن بوزير الخارجية أونتوني بلينكن في طوكيو وسيول حيث أجريا محادثات مع نظيريهما الياباني والكوري الجنوبي أملا في تشكيل «ردع موثوق به» أمام الصين. وقال للصحافيين المرافقين له في جولته «إنها مسألة تحالفات وشراكات». وأضاف: «الأمر يتعلق أيضا بتعزيز قدرتنا»، مذكرا بأنه بينما كانت الولايات المتحدة تقوم جاهدة بمكافحة الجهاديين في الشرق الأوسط، كانت الصين تُحدث جيشها في سرعة عالية؛ بمعنى آخر أن الميزة التنافسية لأمريكا قد تآكلت...
تفهم إدارة الرئيس بايدن جيدا أن الصين اليوم وبعدها روسيا، تظهران في ظل البيئة الدولية الحالية على شكل قوتين يتنامى نفوذهما ولربما استعملتا أسلحة غير تقليدية وأكثر تدميرا... ويكفي حسب تصريحات الرئيس الفرنسي السابقة أن روسيا تواصل محاولة زعزعة استقرار الديمقراطيات الغربية عن طريق التلاعب بشبكات التواصل الاجتماعي أو عمليات معلوماتية.
كما تتعمق المشاكل أكثر بين أمريكا والصين بسبب التقارب الصيني- الروسي؛ وقد باتت الصين خلال العامين الأخيرين أكبر شركاء روسيا التجاريين، محتلة بذلك مكان الاتحاد الأوروبي.
ويرى المتتبعون الاستراتيجيون أيضا أن هناك جهوداً روسية - صينية لتقزيم حجم الدولار الأمريكي بل طرده من المعاملات التجارية...
وهذا كله يوحي بأن حقبة جديدة من العلاقات المتوترة بين أمريكا والصين وروسيا قد نشبت ولا أخال أن النظام العالمي كما هو حاليا قد يطيق هذا النوع من الصراع المتأزم.