حظيت جامعات بلادنا المباركة وجمعياتها المتخصصة بإقامة عدد وفير من المؤتمرات العلمية والندوات النوعية وحلقات النقاش الكبرى المتخصصة، ودُعمت دعمًا سخيًا من قبل وزارة التعليم مشكورة. وقد طرحت فيها مئات الأبحاث العلمية الجادة وأوراق العمل المتينة في شتى فروع المعرفة -بحمد الله وفضله، وما يتبعها من لجان وتحكيم ومصروفات مالية كبيرة، وتكاليف وإعلام وطباعة ثم توصيات إلى ما سوى ذلك من الجهود. وتسابقت الجامعات لعقد تلك المؤتمرات المميزة والدعوة إليها وتحفيز المشاركة فيها من الداخل والخارج، وذلك كله يعد رافدًا من الروافد الحضارية لنهضة بلادنا الغالية ومؤسساتها العلمية والإدارية. فكل المشروعات المتطورة إنما تنبع من البحث العلمي التخصصي، والذي يعتمد الأدوات المعرفية والمنهج العلمي المتخصص. فهي تستند إليه وتسير على ضوئه، وعبر جلساته أيضًا يتم التعارف بين ذوي التخصص والتعاون فيما بينهم.
ومع ابتهاج ذوي العلم والمعرفة بهذا التوسع في السنوات الماضية في عقد المؤتمرات إلا أن هذا الجهد العلمي والتنظيمي والمالي ينبغي ألا يكون هدفه مقتصرًا على عقد المؤتمر والإنتاج العلمي فيه فحسب بل أن يمتد ذلك بحيث ينعكس مردود هذه الأبحاث في النهوض بالمجتمع نحو مزيد من التقدم في المجالات كافة. إن العبء يقع على كاهل الجهاز التنظيمي في المؤتمر من لجان مشرفة ومؤسسات راعية في وضع الرؤى ورسم البرامج في ضخ مخرجات هذه الأبحاث وتوصياتها في الجهات المستهدفة وقياس الأثر اللاحق. ومن أمثلة ذلك أن نجد أبحاثًا رائدة في مجال التعليم الأكاديمي، كانت نتاجًا لمؤتمرات متخصصة، فهل كان لمخرجات هذه الأبحاث أثر في تطوير التعليم، عبر بث الوعي وتحويل التوصيات إلى برامج عمل؟ أم أنه اقتصر دورها على مجرد طرح البحث في مؤتمر وطبعه في سجله ثم إيداعه المكتبات العامة ليس إلا! إننا ندعو إلى إعادة النظر في الاستفادة من التوصيات والأبحاث عبر الأساليب والقنوات التالية:
أولاً: التزام الجهات بنشر الأبحاث وتوصياتها توعويًا على الجهات ذات العلاقة من جامعات ومؤسسات حكومية وجمعيات أهلية، وأن يكون للمردود الاجتماعي دور أساس في عقد المؤتمر، وكم من مؤتمر لا يعلم عنه الناس إلا بعد عقده ونشر دعايته! ويكتفى بتسليم مخرجاته لمن حضر فحسب، وربما كان فيه من الإنتاج القيم النوعي ما تعب عليه الباحثون من أهل العلم والخبرة وأمضوا لأجله الأوقات والأموال.
بل كثيرًا ما يعاني بعض الباحثين مشقة كبيرة إذا أراد مخرجات مؤتمر علمي سبق عقده قبل فترة طويلة مع أن المفترض أن يكون مبذولاً بسهولة ويسر؛ إذ إن المجتمع العلمي هو المستهدف من عقده أصلاً.
ثانيًا: أن يكون من ضمن التخطيط للمؤتمر وضع لجنة مختصة لتفعيل التوصيات وابتكار طرق نشر التوصيات والإفادة منها عن طريق القنوات المتاحة المرئية والمسموعة والورقية.
ثالثًا: إيجاد آلية لقياس الأثر الإيجابي لمخرجات التوصيات والأبحاث العلمية في تطوير العمل العلمي والاجتماعي والمردود الاقتصادي.
رابعًا: أن يكون اختيار محاور المؤتمر عبر الحاجة الملحة في الحقل العلمي والاجتماعي وأن تمهد طريق الاستفادة من المؤتمر قبل عقده واعتماد ماليته.
خامسًا: العناية بالمضامين العلمية دون المبالغة في الجوانب المالية والدعائية.
سادسًا: تسجيل المؤتمر وكل فعالياته ورفعها في مواقع التواصل صوتًا وصورة وكتابة.
سابعًا: العناية بجودة التحكيم العلمي للأبحاث وأوراق العمل وعدم تخفيف التحكيم بسبب كون المشاركة في مؤتمر، وكذلك إجادة صياغة ملخصات المؤتمرات بشكل متقن قابل للنشر.
** **
د. عبد الله أحمد الرميح - أستاذ الفقه المشارك ورئيس قسم الشريعة في كلية العلوم والآداب في محافظة عنيزة بجامعة القصيم