عبد العزيز الصقعبي
ليس غريباً أن تقول إنني أعرف ذلك الشخص منذ الأزل، قد نتفق أن المعرفة منذ الطفولة، ولكن بالنسبة لي مع الصديق العزيز الذي اعتبره بمنزلة الأخ الأكبر سعد الحميدين، فالأمر يختلف، أشعر أن المعرفة قبل ذلك، بالذات عندما يحدثني عن تفاصيل حي الشرقية بالطائف ووالده ووالدي -رحمهما الله، وعدد من الجيران والمعارف والأقارب ربما، يسكنون في دائرة صغيرة يخترقها سوق عكاظ، علاقته بابني عمتي وأسرتهم، علاقتي ببعض أقربائه في مرحلة الطفولة، ابتعدنا عن أغلبهم، ولكن لا يزالون في الذاكرة، ربما قابلته في سنوات سابقة ولم نتعرف على بعضنا مباشرة، ولكن حين يستطرد بسرد بعض ذكرياته، أحياناً أقول أنا كنت هناك.
مع مضي السنوات كان هناك رابط يتشكل، ليكون هو من رواد الشعر والأدب والصحافة في المملكة، ولأكون محباً للقراءة والأدب، ومحاولاً خوض غمار الصحافة الأدبية، جمعتنا الكلمة، وقوي الرابط بيننا، بداية بمتابعته عبر الصحف والمجلات وهو يشارك بالتحرير والحوار وكتابة المقال الدوري، وبعد ذلك أجد أمامي في إحدى مكتبات الطائف ديوان «رسوم على الحائط»، اقتنيته حينها، كنت نبتة صغيرة وكان شجرة مثمرة، التقينا منذ ذلك الزمن وتوطدت العلاقة هو في عالمه الشعري، وأنا في عالمي السردي.
هنالك أكثر من علاقة تربطني بالأخ العزيز سعد الحميدين، علاقة المكان، مدينة الطائف بذكرياتها التي سكنتنا، وأنا الآن مبتهج لأن الحميدين فتح صندوق الذكريات وبدأ يسرد سيرته التي يرى أنها ذكريات وليس مذكرات عبر صفحات المجلة العربية، أقول مبتهج لأن أبا نايف في داخله روائي عظيم، ولكن يقبع تحت سطوة دكتاتور لا يريد أن يقدم نفسه إلا عبر القصيدة، ولا نختلف مطلقاً أنه من رواد الشعر في المملكة العربية السعودية، ومن رواد الصحافة الأدبية التي أشرعت صفحاتها للجميع، علاقة المكان تحقق الانتماء، وبالذات إذا كان المكان مرتبطًا بمرحلة الطفولة وكل ما له علاقة بالبدايات. بكل تأكيد مسيرة حياته مختلفة تماماً عن حياتي، ولكن أن تكون الطائف مكان والدتي مثله، فهذا يكفي. قوي الرابط حين عملت في مؤسسة اليمامة الصحفية لمدة تتجاوز العشرين سنة ثلاث منها في مجلة اليمامة، والبقية كان لي شرف أن أكون تحت إشرافه في جريدة الرياض. علاقة العمل مختلفة، بالذات مع من يعمل مع سعد الحميدين الذي جعلني أشعر بمتعة مهنة المتاعب، حيث كان يتعامل معي ومع بقية الزملاء كزميل عمل وليس كمدير مسؤول، وقد كانت فترة مهمة من حياتي في العمل الصحفي في زمن الرائد تركي السديري -رحمه الله. واعذروني إذا كان الحديث حولي، ولكن لأن الحميدين هيأنا لأن نكون مسؤولين نعد الصفحات ونحرر الأخبار ونتابع الأحداث.
كان يوجه، ويجعلنا نبدع وفق ما هو متاح لنا، وحين يبدر من أحدنا خطأ يتحمله أمام رئيس التحرير، ثم بعد ذلك يخبرنا بهدوء عن الخطأ إذا ورد، ويسعى معنا لحله، علاقة العمل تخلق زمالة ولكن مع أبي نايف فهي تقوي من الأخوة، لذا فحين غادرنا بلاط الصحافة بقيت العلاقة، ونشأ صديق قديم جديد يربط بيننا، ألا وهو الكتاب. قراءاته منذ الصغر، وثقافته واسعة، ومتعته حين يرشده شخص إلى كتاب جديد متميز، وبسبب ذلك كانت هنالك لقاءات دورية أقابله غالباً مع بعض الأصدقاء، لنتحدث عن كتاب، أو نبحث عن كتاب، وعالم الكتب بكل تأكيد مذهل خيالي، يشكلنا دائماً، لنجد أننا ننساق وراء مبدع أو مفكر، ونعيش عوالمًا من الخيال المبهج، الملفت للنظر أن الحميدين لا يبخل على القراء في زاويته «لمحات»، فهو يرصد رؤيته وانطباعه الذي يثري عن ما يقرأه من كتب، وبالطبع ما يقدمه ليس عرضاً لمحتويات الكتاب، بل ينبع من ثقافة تجاوزت النصف قرن، عاشر فيها الرواد وأجيال الحداثة وما بعدها، وزاويته العريقة هذه مهمة جداً لما تتضمنه من رصد ناقد وشاهد على حركة ثقافية ليست مرتبطة بالمملكة فقط بل تجاوزته إلى الأدب العالمي.
الجميل في سعد الحميدين هي علاقته الجيدة مع الجميع، لا أذكر مطلقاً أنه تتبع خطأ صحفي لبعض العاملين بالجريدة، وأثاره، ولا تكلم بسوء عن أحد، بل يقابل الجميع بمرح لنجده يتحدث بلكنة سودانية حين يتحدث مع أحد العاملين في قسم التنفيذ بالجريدة من الإخوة السودانيين، وهذا كمثال. عموماً من يتحدث عن سعد الحميدين الإنسان سيتعب وهو يرصد محاسنه -أمد الله في عمره- ربما المساحة لا تسعف وإلا فالحديث طويل عن علاقة لن تنتهي بالأخ الأكبر سعد الحميدين.