د. محمد بن عبدالله السلومي:
الرمزية في شخصيات العلماء في كل زمان ومكان مما يمكن أن توصف بها أحوال بعض العلماء، وكل من كان في حكمهم من تلاميذهم أو من المطوِّعين والمتطوعين النشطاء في عصورهم، فهم أرباب مسؤولية مجتمعية، وهم كذلك مصابيح نور وهداية لمجتمعاتهم، لا سيما في عصور الفقر العلمي والمعرفي، وفي ظل غياب الجانب التنموي والخدمي الداعم.
وقد كَتَبَت عن رميح موسوعة تاريخ التعليم في المملكة على أنه من رواد التعليم في الرس والشنانة والأماكن التي مارس فيها الدور التعليمي والدعوي آنذاك. (موسوعة تاريخ التعليم في المملكة: ج4/ ص154)
البطاقة الشخصية:
هو رميح بن سليمان بن رميح بن سليمان (الطويل) بن علي بن محمد بن علي بن راشد المحفوظي العجمي، وانفردت موسوعة التعليم حول اسمه بأنه: رميح بن سليمان بن حمد الرميح، وأن وفاته كانت 1342هـ، خلافاً للمصادر الأخرى عن اسمه وتاريخ وفاته.
وكان قد وُلد في الرس عام 1257هـ، ونشأ وتربى فيها بعد أحداث الحملات المصرية على الشنانة والرس، ولكنه عاش آثارها، وتلقى العلم في كتاتيب بلدته، فحفظ القرآن الكريم، وأخذ يتعلم العلم، ويقرأ على من حوله من العلماء والقضاة.
وكانت معظم حياته بالشنانة أو جزء كبير منها، وذلك فترة الدور الثاني السعودي أو الدولة السعودية الثانية (1240 - 1309هـ)، وكذلك كانت حياته فيما يُعتبر فترة الشنانة التاريخية الثانية بعد طلعتها الثانية أي بعد عام 1200هـ، وقد كانت الشنانة في هذه الفترة الزمنية بطلعتها الثانية خاصةً بعد حروب غزاة مصر (1230 - 1233هـ) تعيش عصرها الذهبي زراعياً وبكثافة سكانية أوجبت أن يكون للشنانة مسجدان جامعان، وكان الأئمة من عائلتي الرميح والفلاح لفترات الشنانة المتقدمة، وتُعدُّ عائلي الرميح والفلاح من عوائل الشنانة بتاريخها القديم، لا سيما حينما جاء إليها بعض تجار الرس ليكونوا من أبرز الفلاليح فيها، بالرغم مما صحب هذه الفترة من اضطرابات وصراعات داخلية لكيان الدولة آنذاك، وبعض نزاعات عشائرية في بعض بلدات نجد، وهذا الواقع ربما يؤكد دور الشيخ رميح الموصوف بالمطوِّع ودور العلماء المعاصرين معه في تثبيت الناس على الدين، وعلى الحق والخير وعلى أمنهم الاجتماعي.
شيوخه ومحطاته الدعوية:
رحل رميح إلى (بريدة) لطلب العلم ولا يُعرف تاريخ لهذا، لكنه أخذ العلم عن الشيخ محمد بن عبدالله بن سليم، وعن الشيخ محمد بن عمر بن سليم، حسب ما أورده كتاب «علماء آل سليم»، ثم انتقل إلى (المذنب) وقرأ على الشيخ عبدالله بن محمد بن دخيل، ثم رحل إلى (الرياض) لمواصلة الدراسة وطلب العلم فأخذ عن مشايخها، مثل الشيخ عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ قاضي الرياض، والشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ قاضي الرياض، واستحق بهذا الطلب أن يكون طالب علمٍ أو عالماً شرعياً.
ثم عاد إلى (الرس)، وصار من أعيانها وعلمائها ورموزها ومن كُتَّابها المشهورين، وكان مضحياً بنفسه وأوقاته من أجل تعليم العلم، حيث كان يُعلِّم الطلاب القرآن الكريم والأصول الثلاثة في حلقات المساجد. وكان يتنقل بين القرى المجاورة للرس يُعلِّم أهلها القرآن، ويدعوهم ويرشدهم ويعظهم، وانتقل إلى (البكيرية) بناءً على تعيين الإمام عبدالله الفيصل له بالإمامة والوعظ في جامع البكيرية وذلك في عام 1283هـ، وقد بقي فيه حتى نهاية القرن الثالث عشر نحو عام 1301هـ، لتكون إقامته بالبكيرية نحو تسعة عشر عاماً عمل فيها بالدعوة والتعليم.
وفي عام 1301هـ تقريباً انتقل الشيخ رميح إلى (رياض الخبراء)، وأقام فيها معلماً وواعظاً ومرشداً لطلبة العلم وغيرهم وذلك في جامع رياض الخبراء القديم، وبعد وفاة الشيخ ناصر بن عمر السحيباني إمام وخطيب جامع رياض الخبراء، خلفه الشيخ رميح المعني هنا في إمامة الجامع والخطابة فيه، وجلس فيه للطلبة فأخذ عنه العلم الشرعي عدد منهم.
وفي عام 1324هـ تقريباً عاد إلى (الشنانة) وأقام بها إماماً وخطيباً وواعظاً، فمعظم المصادر من الكتب أو كلها تؤكد عودة رميح للشنانة وبقاءَه فيها مدة طويلة، ولحقه بالشنانة ثُلة من الطلبة يتعلمون العلم بهذه البلدة، واستمر يوالي نشاطه في التعليم والإفتاء والنصح والتوجيه، وكان قد تولى إمامة وخطابة جامع الشنانة القديم بجوار المرقب، وربما كان بعد ذلك بمسجد العلوة بالشنانة الوسطى سنوات عديدة، ليبقى بالشنانة نحو 18 عاماً، وقد يكون بعضها ببلدة الرس آنذاك، والشنانة في جميع أحوالها وفتراتها التاريخية تُعدُّ من أطراف الرس، وكان يُعلِّم أهل الشنانة وغيرهم، واستفاد من علمه مجموعة كبيرة من طلبة العلم من داخل الشنانة وخارجها، واستمرت إقامته في الشنانة حتى عام 1341هـ وقيل عام 1339هـ، ولهذا يُعدَّ من رموز الشنانة وغيرها، ومن المعلوم أنه لم يكن مولوداً بها، وكانت مدة إقامته بالشنانة أقل من ابنه عبدالله (1305 - 1395هـ)، وهو المولود بالشنانة والذي عاش بها حتى توفي فيها، وكان يُوصف ابنه عبدالله بعبارة مطوِّع الشنانة في وقته.
وبعد الشنانة طلبه جماعة من أهل (البكيرية)، فعاد إليها مرة أخرى، وأمَّ الناس في أحد مساجدها، والتفَّ عليه جمع من الطلبة، واشتغل في التعليم والتدريس، حيث كان مضحياً بأوقاته في تدريس العلم، وتعليم القرآن الكريم، وهو بهذا الاستقرار أحياناً، والتنقل أحياناً أخرى كان شمعة تضيء الطريق للآخرين، وهذا استحقاق آخر له بأن يكون من مشايخ العلم في عصره، حينما كان له طلاب علم وتلاميذُ كثيرون.
وحسب تعليقات وكتابات الأستاذ سليمان الرشيد أنه من خلال تتبع الوثائق الكثيرة التي كتبها رميح لأهل الرس والشنانة خلال هذه الفترة تبين أنه من عام 1301هـ تقريباً إلى عام 1316هـ أو 1317هـ كان موجوداً في الرس، بل إنه كان إماماً لجامع الشنانة كما ورد في كتاب (مساجد الرس وأطرافه)، ويبدو أن انتقاله لرياض الخبراء نتيجة بعض الخلافات بينه وبين حسين العساف أمير الرس في ذلك الوقت، والله أعلم.
وأقول معلقاً على هذا الرأي: إن هذه الفترة ربما تكون كلها أو بعضها قد قضاها بالشنانة فترةً أولى من حياته في الشنانة، وقد كان كلها أو بعضها بالرس، وبهذا قد تكون فترة إقامته الأولى والثانية بالشنانة تصل إلى أربعين عاماً أو أكثر والله أعلم.
وورد في ترجمته كذلك: أنه يُعدُّ من أهالي الرس الذين تنقَّلوا بين عدة هجر وقرى منها الشنانة ورياض الخبراء، والبكيرية، والصمعورية، وكلها بالقصيم، أخذ العلم من مجموعة من العلماء، ودرس على يديه مجموعة من التلاميذ في عدة أماكن كما سبق ذكره، وعن رميح هذا وعطائه وجهوده توجد بعض الكتابات التوثيقية في بلدة رياض الخبراء حسب ما ذكره حفيده عبدالله بن سليمان الرميح الأستاذ في التربية والتعليم في محافظة الرس، وكان رميح قد تولى إمامة مسجد بلدة الخبراء فترة من الزمن، وقد كتب عنه الأستاذ عبدالله العقيل فقال: «عَيَّنه الإمام عبدالله بن فيصل عام 1283هـ إماماً وواعظاً في جامع البكيرية واستمر فيه حتى نهاية القرن، ثم انتقل إلى بلدة الشنانة الواقعة قرب الرس، وسكن فيها حتى عام 1341هـ، ثم عاد إلى البكيرية عام 1339هـ وأقام فيها حتى توفي».
طلابه وتلاميذه ومعاصروه:
دَرَسَ على يديه مجموعة من التلاميذ، ومنهم: ابنه عبدالله، وابنه عبدالرحمن بن رميح، وكذلك ابن أخيه وهو القاضي سليمان بن حمد الرميح (1280 - 1356هـ)، وكذلك الشيخ محمد بن عبدالعزيز الرشيد، ومجموعة من أهالي الشنانة، وكان منهم الشيخ سليمان بن صالح الفلاح الذي يُعدُّ من أقرانه في العمر والمعاصرة وطلب العلم تقريباً، حيث إنه هو ورميح قد تعاصرا في مسجد واحدٍ كان إمامه الشيخ رميح، ثم من بعده سليمان الفلاح، وكان ابنه عبدالله بن رميح من أبرز تلاميذه الذين خَلَفُوه في الشنانة كذلك، ولهذا الابن ترجمة مستقلة عند كثيرٍ من مؤرخي الرس وكتبهم.
وفي بلدة البكيرية وبلدة الخبراء طلب العلم على يدي الرميح مجموعة من طلبة العلم، منهم: محمد بن ناصر الوهيبي الذي حفظ القرآن عن ظهر قلب على يد الشيخ رميح حينما كان إماماً وخطيباً ومعلماً في جامع رياض الخبراء القديم، وعبدالله بن ناصر الوهيبي، وسليمان بن راشد الحديثي، وعبدالله بن راشد الحديثي، وإبراهيم بن راشد الحديثي الذي أصبح فيما بعد رئيساً للمحكمة الكبرى بأبها، وعثمان بن حمد الصغيِّر أحد مدرسي الكتاتيب، وعبدالله الناصر الوهيبي، ومنصور بن رشيد بن جمعة إمام وخطيب جامع منزلة الحميدي بعلوات البدائع، وناصر بن حمد المقبل إمام وخطيب جامع الخبراء، وحسن بن علي المنيع، والشيخ إبراهيم بن صالح العواد إمام وخطيب جامع الهلالية وأميرها، والشيخ علي بن سليمان بن عمرو إمام وخطيب جامع الحجناوي، والشيخ منصور بن محمد بن عمر أحد أشهر كتَّاب رياض الخبراء، والشيخ سليمان بن علي الميمان أحد طلبة العلم، والشيخ الفقيه العابد عبدالله بن يوسف الوابل الذي أصبح قاضياً في محاكم أبها فيما بعد ذلك، والشيخ عبدالكريم بن علي البكري، والشيخ عبدالله بن محمد بن سبيِّل.
وكان ممن درس القرآن الكريم على يد الشيخ رميح أمير الرس آنذاك ربما قبل أن يكون أميراً، وهو عساف بن حسين العساف، ليكون المعروف المدُوَّن من تلاميذه بنحو (24) تلميذاً، وغيرهم كثير من طلبة العلم ممن لم تُدوَّن أسماؤهم، ليكون بهذا التعليم قد خرَّج علماء وطلاب علم، وهو ما يُعزِّز رمزيته ومكانته العلمية.
وقد عاصر الشيخ مجموعة من قضاة الرس، وهم الشيخ صالح بن قرناس، والشيخ عبدالله بن بليهد، وسالم بن ناصر الحناكي. كما أنه عاصر من أمراء الرس كلا من: عبدالعزيز بن رشيد بن عبد الله، وعساف بن سيف بن منصور، وصالح بن عبدالعزيز بن رشيد.
من أعماله التوثيقية وخدمته الاجتماعية:
كان رميح ممن اشتهر بنسخ بعض الكتب بخط يده قبل وجود المطابع وآلات الطباعة -كما هو معلوم-، وذلك من أجل توثيقها وحفظها من الضياع، وقد خط كتباً عديدة منها: كتاب (المنتقى)، و(شرح التوحيد)، و(شرح الدليل)، و(الكافية الشافية) وربما غيرها من الكتب.
وَكَتَبَ مجموعة وثائق مهمة موجود ذكرها في بعض الكتب التي ترجمت له، ومن أبرزها ما حصل عليه الشيخ الكاتب رميح بن سليمان على تزكية من الشيخ صالح بن قرناس عن خطه بوثيقة وصية محمد بن عبدالرحمن البَلَّي عام 1307هـ، هذا نصها (الخط المزبور أعلاه هو خط من سمى نفسه الأخ رميح بن سليمان أعرفه كما أعرف شخصه وهو إذ ذاك أهل لما صدر منه عدل مقبول الشهادة معمول بخطه) عام 1307هـ.
كما حصل على تزكية أخرى من الشيخ محمد بن عبدالعزيز بن رشيد أسفل وثيقة نقلها من خط سليمان بن مبارك العميريني عام 1322هـ عن هبة صالح بن إبراهيم المزيني ساكن القصيعة لابن أخيه محمد بن عبدالرحمن البلَّي، وكان نصها (الخط المزبور أعلاه هو قلم العدل الثقة رميح بن سليمان أعرفه كما أعرف شخصه فلا يشكل على من نظر فيه حتى لا يخفى، قال ذلك وأملاه محمد بن عبدالعزيز بن رشيد وكتبه عن إملائه سليمان بن صالح بن خزيم. حرر في الحجة 1352هـ)، وكان يبدأ الكاتب رميح بن سليمان كتابته في الوثائق بقوله (الحمد لله) ويختمها بالصلاة على محمد.
وكان الشيخ رميح يتولى القيام بكتابة العقود والوصايا والأوقاف، وعقود الأنكحة، إلى جانب غيرها من الأعمال الدينية الاجتماعية الأخرى مثل الإصلاح بين الناس كخدمات اجتماعية، واشتهر رميح بالورع والزهد والاستقامة على دين الله، كما اشتهر بقوته في عمل الرقية الشرعية على المصابين بالعين والمرض.
وللشيخ ترجمات في عدد من الكتب: موسوعة تاريخ التعليم في المملكة العربية السعودية في مائة عام، المجلد الرابع، برقم (433)، ص152، وانظر: عبدالله البسام، علماء نجد خلال ثمانية قرون، ج2/ص194- 196، وانظر: عبدالله العقيل، أعلام الرس، ج1/ص112- 116، وسليمان الرشيد، مساجد الرس وأطرافه، ج2/ص 618- 620، ومحمد السلومي، الرس وأدوار تاريخية في الوحدة، ص317، وأحمد بن عبدالله النفيسة، الخبراء ورياض الخبراء، ص245- 249، والدكتور عبدالعزيز بن محمد الفريح، علماء البكيرية خلال ثلاثة قرون، ص28-29، وصالح بن سليمان العمري، علماء آل سليم وتلامذتهم وعلماء القصيم.
وفاته:
توفي الشيخ رميح عام 1344هـ بعد عودته من الشنانة إلى البكيرية، وحزن الناس لوفاته كثيراً لما كان يتمتع به من تواضع وأخلاق سامية، وأثنى عليه وعلى علمه عدد من أهل العلم.
وله من الأبناء: عبدالرحمن الملقب البريمي، الذي توفي عام (1362هـ)، وعبدالله المتوفى عام (1395هـ)، وإبراهيم، وسليمان، وللشيخ رميح من البنات 18 بنتاً، وقد تُعدُّ هذه ظاهرةً من غرائب الحياة الاجتماعية في زمنه، علماً بأن هؤلاء البنات كُن من أمهات متعددات.
وكفى أن يكون الشيخ رميح رمزاً من رموز الشنانة والرس، بل رمزاً من رموز القصيم بمعظم بلداته، وهو بما سبق عَلَمٌ من الأعلام البارزين في خدمات العلم والتعليم، والدعوة والإرشاد، والعطاء بكل أنواع العطاء فيما كانت تحتاج إليه مجتمعات الأمس، فرحمه الله رحمةً واسعة.