عبد الله بن صالح العقيل
على تصغير (جُرْف) وهو ربوة مرتفعة من الأرض تقع في الجهة الجنوبية من حي الشهداء بالرس على شارع يسمى باسم (شارع الجريف) وسمي حاليا (طريق الملك سلمان) وهو على إحداثية: (836 51 25) (849 30 043).
وكان الناس يعتقدون بأن أهل الرس يأخذون ملح البارود من الجريف، ولكن الصحيح بأن أهل الرس يصنعون الملح فيه، لأن الجريف يعتبر من مصانع الأسلحة في بلادنا حيث كان أهل الرس يصنعون فيه ملح البارود منذ حدود عام 1150هـ أثناء الحروب المستمرة التي دارت رحاها بين القبائل آنذاك حول بلدة الرس.
والشيخ محمد بن ناصر العبودي ذكر ملح الجريف في كتابه (معجم أسر الرس 1/353) وذكر بأنه زار موقعه مع صديقه علي بن صالح الضلعان رحمه الله عام 1370هـ. وتحدث عن جودته وأهميته وأورد قصّة عن الفرق بين ملح البارود الذي يصنع في الجريف بالرس وبين الملح الذي كان يصنعه والده في بريدة.
أما طريقة أهل الرس في صنع ملح البارود من الجريف: أذكرها كما رواها لي الشيخ الدكتور صالح بن محمد الرشيد عن عبدالعزيز الرشيد. وهي أن أهل الرس يقومون بحفر ثلاث بِرَكْ متوسطة العمق ومتجاورة. كل واحد منها أقل نزولاً من التي قبلها. وتكون الأولى هي المرتفعة، ثم يحضرون تربة (صباخ) من أرض بعيران المجاورة للجريف من الشرق، ثم يضعون التربة في البركة الأولى المرتفعة ويسقونه من البئر المجاورة لربوة الجريف -وهي بئر مشهورة بمائها الصالح لصنع السلاح الذي يعطيه نقاء متميزاً.. والذي لا يوجد مثلها في غيرها- ثم يقومون بخلط الصباخ بالمساحي خلطا كثيرا حتى يذوب. ثم يتركونه لمدة أربع وعشرين ساعة كاملة. ثم يقومون بفتح البركة الأولى المرتفعة على البركة الثانية التي تنزل عنها قليلا فينزل فيها الخليط ويتركونه أربعاً وعشرين ساعة أخرى. بعدها يفتحون البركة الثانية على البركة الثالثة والتي تنزل عنها قليلا ويبقون الخليط فيها أربعا وعشرين ساعة أخيرة. فصار مدة تخمير الصباخ اثنتين وسبعين ساعة. بعدها يكون صافيا في البركة الثالثة.
ثم يحضرون قدورا كبيرة ويقومون بإفراغ الماء المصفى من الصباخ فيها ويوقدون النار تحتها لعدة ساعات حتى يكون ثقيلا ويقال له (عاقد) بعد تبخر أكثره. ثم يحضرون صحوناً كبيرة من النحاس يسمون واحدها (طشت) ويضعون فيها بعضا من جريد النخل مقطّعة طولا وعرضا. ثم يعودون إلى الماء الموجود في القدور ويفرغونه في الصحون الكبيرة على جريد النخل ويتركونه في الشمس لمدة معلومة يقدّرونها حسب قوة حرارة الشمس حتى يتبخر الماء تماماً من الصحون ويجمد الجريد على شكل مسامير بيض طويلة, وبهذا يكون ملحا أبيض.
ثم يضعون معه فحماً من شجر العِشَر لكونه خفيفا وكبريتاً أصفر بنسب محددة معروفة عندهم (ثلث من الملح وثلث من الكبريت وثلث من الفحم) ويقومون بهرسه ودقّه بمهراس من الخشب بشكل خفيف حتى يختلط ويكون بودرة سوداء من الفحم.
ثم يضعونه في صحون من النحاس ويرشونه بالماء ويقلبونه حتى يكون خليطا ثم يمشطونه بالأمشاط الخاصة لديهم عرضا وطولا. ثم يتركونه أياما محددة حتى يكون يابسا وتظهر عليه بلورات.. وبذلك يكون جاهزا للاستخدام في السلاح وهو بودرة أو يقومون ببيعه.
وإذا أرادوا اختبار ملح البارود ليعرفوا جودته.. يضعون قليلا منه في كف اليد ويعرضونه للنار، وعندما ينفجر الملح ويحترق فإن لم يبق منه شيء في اليد فيدل على أنه صاف وأصلي ويصفونه بأنه (َذِكرْ) أما إن بقي منه شيء في اليد فيدل على أنه ليس صافيا ولا أصليا. كما كان أهل الرس إلى عام 1375هـ تقريبا يبيعون ملح الجريف في سوق الرس القديم ومنهم صالح بن محمد الحوّاس كان يبيعه في دكانه.
لذلك يقال: إن نقاء ملح الجريف ليس له مثيل. ويعرف به أهل الرس من بين بقية المناطق. كما أن البئر المجاورة للجريف والتي يأخذون منها الماء من أجل صناعة الملح لها ميزة خاصة تنفرد بها. كما يُذكر أن التراب المتراكم على ربوة الجريف حالياً قد يكون فيه بقايا من ملح البارود. ويدل عليه أن حفر الجراذي الموجودة حاليا في الربوة يُرى ترابها بعد إخراجه أبيض اللون من الملح.
ويدل على أن حزم الرس هو المصدر الرئيس للملح قول الشاعر سليمان الفتال من الرس:
من زبنّا رقى روس الرجوم
ما تجيه البيارق والخيام
نجني الملح من روس الحزوم
معتّبينه لحزّات الزحام
هذا وقد ذكر شعراء الرس وغيرهم الجريف في الأشعار الحماسية للحرب. يقول الشاعر الكبير إبراهيم بن دخيل الخربوش شاعر الحرب بالرس مفتخرا بشجاعة قومه وذاكراً الجريف في قصيدته الحربية المشهورة قال فيها:
يا طير ياللي بالجذيبة تراعينا
يتنى العشا لين المناعير يرمونه
ياطير قل للذيب وان جاع يتلينا
يتلى عيال بالملاقا يعشونه
والله ما جينا من الرس عانينا
إلا ندور الحرب يا للي تدورونه
من يوم سرنا والمنايا تبارينا
واللي ورد حوض المنايا تعرفونه
معنا سلاح ننقله في يمانينا
ملح الجريف محيّل له يزلونه
وقال في قصيدة أخرى:
سلام يا ربع يصفون الجريف العتيق
هو ملحهم بالكون عابينه نهار الزحام
حنا نهار الكون عادتنا نفوج الطريق
لو هو مضيق ننتحي لمّه سواة النظام
كما قال الشاعر إبراهيم الخربوش أيضا يصف قصره في الرس:
بنيت لي قصر حصين معتلي
به كل ما يذكر وحيش ينزلي
الأنس حامينه عنهم لا يجونه
والذيب دون الجن ببابه يهذلي
حطيت به ملح الجريف ولا بتي
حماقة إلى جاء الملاقا تجهلي
وقالت الشاعرة رقية الصالحي من الرس:
جاء مهنا يقود الحرب بخزامه
باغي الرس والفزعات يتلونه
يوم ثار الدخن والموت بسهامه
ثار ملح الجريف وشاف بعيونه
والمؤكد بأن كل أهل القصيم - وقد يكون غيرهم - يستفيدون من ملح الجريف ويعبئون به أسلحتهم ليستخدمونه في حروبهم.
يقول الشاعر علي الخياط من عنيزة, وكان يستخدم ملح الجريف:
لي بندق ترمي اللحم لو هو بعيد
ما دوّجت بالسوق مع دلاّلها
خمسٍ رصاصة ستة أشبار تزيد
ملح الجريف محيّل يعبا لها
وكان أهل الرس يمدون أهل القصيم مساعدة لهم في وقت الحروب بملح البارود من الجريف. قال المؤرخ سليمان بن صالح البسام في كتابه (تاريخ القصيم) (الخزانة 5/201) (ولما أرسل سعدون بن عريعر الخالدي إلى أمراء القصيم في قتل مطاوعتهم, ويكون ذلك دليلا على إخلاصهم له, أبى سعد - أي سعد الدهلاوي أمير الرس - أن يقتل مطوعه وامتنع عن طاعة سعدون, وكان مطوعه إذ ذاك شخصا يعرف بالسعلو, وكان أيضا ممن امتنع عن طاعة ابن عريعر جحيلان أمير بريدة. فحاصره سعدون فأغار سعد - الدهلاوي - على غنم لجيش سعدون عند الشبيبة, ولما صار الحصار على حجيلان في بريدة من قبل سعدون بن عريعر في حدود عام 1180هـ أمدّه سعد بنحو سبعين رجلا من قومه وملح بارود, وكان سعد يكره ابن عريعر ولم ينفذ طلبه في قتل المطاوعة).
** **
- الرس