محمد لويفي الجهني
تمر بنا الأيام سريعاً وتتغير الأحداث والعادات والتقاليد وتسود المدنية وتبقى الذكريات حكايات وقصص ينقلها جيل لجيل وذلك للحفاظ على عبق الماضي بما فيه من قسوة وطيبة وتعاون وتكاتف وترابط وإيثار اجتماعي واقتصادي وثقافي. فهي كذا الحياة تتغير أحداثها وأماكنها بصفة مستمرة. مرت بي الذكريات وأنا أمر في هذه الأماكن وأشاهد الباسقات التي لم يبق إلا جذوعها فحقًا يموت النخل واقف وظل النخل ما مات ليبقى خير سلف لخير خلف. من هنا قررت أن أكتبت عن أماكن سلال الغذاء في المحافظة كيف نشأت واستمرت حتى وصلت إلينا موثقاً بإيجاز عن كل ما فيها من أحداث وذكريات.. ففي البداية نبدأ وعلى بركة الله عن أقدم سلة غذاء أملج الحوراء قديماً المكان المسمى خيف الفّقير من هجر محافظة أملج الشرقية يحده من الشرق كثبان رملية ومكان يسمى شعفت نوفل وأم جريمات والجريمات عبارة عن نبات بري يكثر في هذا المكان قديماً وحالياً زرعت هذه المنطقة أما من الشمال فيحده مزارع أم غواشي ومزارع ليمونه والزاوية تحده من الغرب ومن الجنوب كثبان رملية وبئر الوحيدي. وسمي الفّقّير بهذا لأن الفَقّير يأتي إليه فيشبع من أكل الرطب والتمر فهو أبو الفَقراء وهناك من قال إن سبب التسمية أن الماء يجري على سطح الأرض فيستقر في حفر صغيرة كحفر النخل تسمى فقّرةَ فظهر الاسم. فالفّقّير يقع على طريق الحاج حيث إن هناك بئَّر يسمى العماره كان يمر به الحجاج وينزلون عنده كمحطة استراحة ويستمرون يومين أو ثلاثة ولزيادة الحجاج بعد ذلك تم حفر بئر الوحيدي. وإذا أرادوا المسير صاح فيهم المنادي منشداً بالصوت العالي مع ضرب الطار حتى يسمعه الجميع قائلاً ومردداً (بكره الضيف ماشي ... والعميري مقيله) والعميري مكان قرب وادي القواق) وبالتالي الكل يستعد لإكمال رحلة الحج سيراً. أما كيف بدأت زراعة النخيل في الفّقَّير فقد كانت بداية ظهور النخيل في هذه المنطقة من بقايا نوى الحجاج فقد كان الحجاج يأكلون التمر ويرمون النوى ولأن الماء أساس الحياة وقريّب من سطح الأرض وفي أماكن يجري على سطح الأرض كنجل ويستقر في حفر مكوناً مستنقعات لذلك نبت النخيل من النوى في البداية وبعد ذلك تم غرسه فتكاثر في خيف الفقير لاهتمام الأهالي ومعرفة أهميته الاقتصادية فهو الغذاء الكامل الذي يستمر طوال العام رطباً أو تمراً. فقام البعض بالاكتفاء بزراعة نخله واحدة وهناك من يزرع عشرة وعشرين وخمسين تزيد أو تنقص حسبلإمكانيات وتداخل النخل مع بعضه فسمي البعض المشّرك أي شركة بين عائلة أو عوائل وذلك لأسباب شراكة الزراعة أو الورثة والهبة أو عن طريق الشراء وكان المشتري يشتري نخلة أو نخلتين وذلك لعدم وجود المال الكافي وللقناعة. وكان أغلب أهالي أملج لهم منزلين شتاءً بجانب ساحل البحر وفي الصيف بجانب النخيل وهم بذلك مستفيدين من نسيم البحر والبر والوادي فلذكائهم استفادوا من الطبيعة للتغلب على أحوال الطقس والمناخ فيرحلون في الصيف من الساحل وينزلون في الزاوية والحبل والمحجر والمطيوي والحرة والواسطة والعمير ليكونوا قريبين من نخل الفَّقَّير والمزارع الأخرى وكانوا يهتمون بالنخيل بتوبيره وتنظيفه وعندما يزهوا صيف النخل يكون بدايته يسمى الغمق فيأتون الناس من أنحاء أملج فيجلسون تحت النخل مراقبين بكل حواسهم بانتظار ما يسقط من حبات الرطب من قنو النخل فيلتقطوها فيسمى ذلك (اللقط) وكان إما أن يشاهد أو يسمع صوتها وهي تسقط على الأرض فمن يلتقطها هي له ولا يشترط أن يكون هو من يملك النخلة وكانت هذه الحبيبات من الرطب والنوى تكفيه طوال يومه فتكون هي فطوره وغذائه كان اجتماع الناس وسط النخيل حيث يتبادلون الأحاديث والقصص والأخبار والبيع والشراء فهذه المجموعة تعمل أكلة صيادية وهذه تعمل رز بلبن أو عدس وهناك من يعمل عصيده أو عبود بمنقع سمن والناس يأكلون وتزدان صحتهم وكان هناك مجموعة من الشباب السعودي الذين يعملون بطلوع النخل ويسمون (الرقايه) يرقون النخل لأصحابه لجنيه وذلك بأجر وغالباً ما يكون حبيبات من الرطب. وبعد الجني يوضع في مكان يسمى المربد وذلك لتتميره. أما عراجين النخل فتستخدم لعلف الحيوانات أو تعمل كمكنسة ينظف بها المنزل وفي هذه المرحلة يستفيد الأهالي من فترة سكناهم قرب النخيل فهذه الشجرة المباركة فيها الخير فيعملون من جريد النخل المراوح والزنابيل والمعَّرى والخسف والسفر المعلفة ومن أليافها يعملون الحبال وكذلك يبنون منازلهم البرية من جريد النخل فيما يسمى بالعشش ويسقفون منازلهم بجذوعها.. وهناك الخرافين وهم حراس النخل والمهتمين به. لذلك هناك مثل مشهور يقول (يجَّيبك الدبل يا سارق نخلنا) والدبل هو الطريق الضيق الذي يكون بين المزارع وذلك لأن الحراس يكونوا قريبين من الطريق الدرب التي بين المزارع فيشاهدون الداخل والخارج من بين النخيل فيعرفونه ويذكرونه للسائلين. ومن مناطق الفقير الحفيره والمسبخة.. وفي مكان المسبخةئًّير ماءه قريب من سطح الأرض يقدمون له البدو بجمالهم وغنمهم ليشربوا ويغتسلوا ويسقوا بهائمهم من أبل واغنام وكانوا منظمين ومنسقين في وردهم للماء حتى لا تختلط بهائمهم مع بعضها فتحدث المشاكل فكان هناك ضبط اجتماعي مبني على احترام وتقدير الناس لبعضهم البعض فالمسبخه منطقة التقاء وتجمع لأصحاب الإبل والأغنام وهي قريبة من خير النخيل. واجتماع الأهالي في هذه الأماكن في فترة الصيف فريد من نوعه فهو اجتماع اجتماعي واقتصادي وثقافي.
فكان الأهالي يأتون إلى هذه المنطقة صيفاً فيأكلون ويقيمون أفراح الزواج غالباً. لذلك تتحسن صحتهم ويزداد وزنهم ويكسوهم اللحم لأنهم يأكلون من الرطب ولحم الأفراح حتى أن بعض الأسر لشدة الحاجة تأتي بأولادها الصغار للخدمة والأجر حبيبات رطب وتمر وقطعة لحم حتى أن الناس إذا أكلوا يطفون الأنوار والبعض يأكل لقمة ولقمة يضعها بين جسمه ولبسه ليأكلها لاحقاً. لذلك قال الشاعر/
(ليت صيف النخل يأخذ ثلاثين عام
والبوارق تلاعج والعرب يزرعون
لاتصيب العًّرب حمى ولاشَّي زكام
والدفاتر تقطع خالصات الديون)
وكانت الزواجات قليلة وتستمر لأيام ومن عادات البعض أن يقيم حفلة شعراء الرد والألعاب الشعبية كالخبيتي والزريبي والرفيحي والمقطوف وفي يوم الدخلة يأتي القراء فيباركون والشيخ يملك ثم يتم زف العريس بما يسمى (الجلالة) غالباً..