إعداد - خالد حامد:
لقد ولدت الغالبية العظمى من الفلسطينيين في الضفة الغربية وأمضوا حياتهم كلها في ظل احتلال عسكري إسرائيلي ينتهك حقهم في تقرير المصير.
كشف تقرير جديد صادر عن منظمة خيرية في المملكة المتحدة كيف أن جزءًا أساسيًا مما يدعم هذا الاحتلال هو نظام قضائي عسكري يتميز بانتهاكات القانون الدولي.
التقرير - القاضي وهيئة المحلفين والمحتل - هو محاولة للغوص عميقاً في الطرق المتنوعة التي يتم من خلالها انتهاك حقوق الفلسطينيين من الاعتقال إلى الاستجواب والإدانة والسجن. وبعكس تجارب المحامين الفلسطينيين وجماعات حقوق الإنسان كانت منظمة حقوق السجناء التي أترأسها فخورة بتقديم الأدلة على تلك الانتهاكات.
تتمثل إحدى مساهمات التقرير المهمة في توضيح أنه على الرغم من اتفاقيات أوسلو وإنشاء السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، لم يكن هناك، ولا يزال، أي مفر من النظام القضائي العسكري الإسرائيلي.
بغض النظر عن وجود قانون العقوبات والسلطة القضائية في السلطة الفلسطينية، اللذين يعملان باستقلالية محدودة في أجزاء من الأراضي المحتلة، فإن جميع الفلسطينيين، أينما كانوا يقيمون في الضفة الغربية، يظلون خاضعين للاختصاص القضائي للمحاكم العسكرية الإسرائيلية إذا وقعوا في حالة مخالفة لبعض القوانين.
إن تأثير هذا النظام القضائي العسكري بعيد المدى وتمييزي للغاية. فمنذ عام 1967، على سبيل المثال، أصدرت إسرائيل مرسوماً غير قانوني لسحب الشرعية عن أكثر من 411 منظمة فلسطينية، بما في ذلك جميع الأحزاب السياسية الفلسطينية الرئيسية وبموجبه يُحاكم المدنيون الفلسطينيون بتهمة «العضوية والنشاط في جمعية غير قانونية»، وهي أداة رئيسية في قمع إسرائيل للنشاط المناهض للاحتلال.
وفي الوقت نفسه، تشمل جرائم النظام العام تهمة «التحريض»، التي تُعرَّف بأنها أي محاولة «للتأثير على الرأي العام.. بطريقة قد تضر بالسلم العام أو النظام العام». يمكن أيضاً اعتقال الفلسطينيين بتهمة «إثارة الكراهية أو الازدراء أو إثارة السخط ضد» السلطات.
تشمل التهم الأخرى التي نظرت فيها المحاكم العسكرية التواجد في إسرائيل بشكل غير قانوني - أي أولئك الذين تم القبض عليهم وهم يبحثون عن عمل دون تصريح - بالإضافة إلى مخالفات المرور. ويشكل هؤلاء حوالي 40 في المئة من مجمل الفلسطينيين الذين يمثلون أمام المحاكم العسكرية كل عام.
النظام القضائي العسكري جزء من واقع «منفصل وغير متكافئ». على عكس الفلسطينيين، يُحاكم المستوطنون الإسرائيليون المعتقلون في الضفة الغربية أمام محاكم مدنية داخل إسرائيل. هناك شعبان ونظامان قانونيان مختلفان - وبالتالي فإن أكبر مجموعة حقوق إنسان في إسرائيل محقة في تسمية هذا شكلاً من أشكال الفصل العنصري.
ضمن هذا النظام التمييزي الأوسع نطاقاً، هناك انتهاكات محددة وخطيرة للقانون الدولي.
أحد هذه الانتهاكات هو التعذيب، وهي طريقة يوثقها التقرير بشكل روتيني، إلى جانب أفعال قاسية ومهينة أخرى، لانتزاع اعترافات من الفلسطينيين أثناء الاستجواب (يمكن رفض الاتصال بمحام لمدة تصل إلى 60 يومًا). ثم تُستخدم هذه الاعترافات كأدلة أولية لتأمين الإدانات في المحاكم العسكرية. أحد الأمثلة على ذلك هو طارق، مستشار المدرسة الذي تم اعتقاله في عام 2019 بزعم أنه عضو في منظمة محظورة ؛ وشملت معاناته الضرب والشتائم. مخالفة أخرى للقانون تتعلق باحتجاز معظم الأسرى الفلسطينيين في سجون داخل إسرائيل، على الرغم من حظر اتفاقية جنيف الرابعة نقل الأسرى من الأراضي المحتلة إلى دولة الاحتلال.
كل هذا يحدث ضمن نظام - كما أعرف من سنوات خبرتي في الدفاع عن الناس في المحاكم العسكرية - لا يمكن «إصلاحه» بل يجب إلغاؤه.
أي قوة احتلال ملزمة بالعمل لصالح السكان المحتلين؛ على النقيض من ذلك، فإن إسرائيل تنتهك الحقوق المدنية والسياسية للفلسطينيين. بالإضافة إلى ذلك، كما أوضح المقرر الخاص للأمم المتحدة مايكل لينك، بعد نصف قرن، فإن «دور إسرائيل كمحتل.. قد تجاوز الخط الأحمر ليصبح غير شرعي».
بريطانيا لها دور ومسؤولية خاصة. من العناصر المهمة للحكم العسكري الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة لوائح الدفاع (الطوارئ) التي سنها الانتداب البريطاني في فلسطين عام 1945 . اليوم، توافق حكومة المملكة المتحدة على بيع الأسلحة والمكونات والتكنولوجيا العسكرية لإسرائيل، وكذلك تستورد تكنولوجيا عسكرية إسرائيلية الصنع.
وبالتالي يدعو التقرير حكومة المملكة المتحدة إلى تنفيذ حظر أسلحة ثنائي الاتجاه، كما يحث الحكومة على زيادة دعمها للمدافعين عن حقوق الإنسان والمنظمات الفلسطينية.
إن ممارسة ضغط حقيقي على إسرائيل لإنهاء احتلالها ونظامها القضائي العسكري هو الرد الضروري على خطأ تاريخي وظلم قائم. بالنسبة للرجال والنساء والأطفال الفلسطينيين الذين تعرضوا للحرمان من حريتهم، فهذا ليس ضروريًا فحسب، بل هو أمر ملح أيضاً.
** **
سحر فرانسيس - مديرة مؤسسة «الضمير» لدعم السجناء وحقوق الإنسان - عن صحيفة (الجارديان) البريطانية