د. تنيضب الفايدي
اشتهرت كثيرٌ من الجبال في الوطن الغالي فإذا ما تم استثناء جبال مكة المكرمة والمدينة المنورة هناك: جبل رضوى، وجبلا أجا وسلمى، وجبل خزازى، وجبل قطن، وجبل قارة وعشرات الجبال الأخرى التي خلدها الأدب شعراً ونثراً، من تلك الجبال جبل التوباد:
يقع جبل التوباد في بلدة الغيل التي تقع شمال غربي محافظة الأفلاج وتشتهر الغيل ببساتينها ومزارعها وقد اشتهر جبل التوباد بأنه مرتع صبا قيس بن الملوح وليلى. حيث خلد حبهما شعراً تتناقله الأجيال حيث قال قيس بن الملوح في حبيبته ليلى:
أحبّ من الأسماء ما شابه اسمها
ووافقهُ أو كان منهُ مُدانيا
أَعدّ الليالي ليلةً بعد ليلةٍ
وقد عِشتُ دهراً لا أعدّ اللياليَ
فيا ربِ سوّي الحب بيني وبينها
يكونُ كفافاً لا عليّ ولا ليا
وقد يجمعُ الله الشتيتين بعدما
يظُنّانِ كل الظن أن لاتلاقيا
واشتهر قيس بن الملوح في الأدب بمجنون ليلى العامرية، ونسجت كثير من القصص حول حبهما ولعلّ بعض ما قيل في شعر قيس بن الملوح بأنه منسوب إليه ولم يقله حتى أصبحت قصة ليلى العامرية مع قيس بن الملوح أشبه بالأسطورة. كما خلد هذا الحب جبل التوباد أو ما يسمى بجبل المحبين والعشاق في الشعر العربي وأصبح مادة تثري الأدب العربي لارتباطه بقصة قيس وليلى، قال قيس بن الملوح:
وإني لأهوى النوم في غير حينه
لعل لقاء بالمنام يكون
تحدثني الليالي بأني رأيتكم
فيا ليت أحلام المنام يقين
كما قال:
أمرّ على الديار ديار ليلى
أقبل ذا الجدار وذا الجدارا
وما حب الديار شغفن قلبي
ولكن حب من سكن الديارا
وكان قيس وليلى يرعيان البهم (صغار الغنم) في سفح جبل التوباد ويذكر ذلك قيس بن الملوح:
تعلّقت ليلى وهي غِرٌّ صغيرةٌ
ولم يبدُ للأتراب من ثدْيها حجْمُ
صبيّان نرعى البهم يا ليت أننا
إلى اليوم لم نكبُرْ ولم تكبرْ البهمُ
ويلهوان ويتسابقان ويبنيان من حصاه أشكالاً مختلفة ويكتبان على رمله فكم فيك
- يا جبل التوباد - من ذكريات وكم فيك من خيال جميل للحب.
وقد ذكر أمير الشعراء ذلك الجبل في قصيدة رائعة يصور فيها قصة قيس وليلى حيث يقول:
جبل التوباد حياك الحيا
وسقى الله صبانا ورعا
فيك ناغينا الهوى في مهده
ورضعناه فكنت المرضعا
إلى أن يقول:
وكتَبْنَا في نَقَى الرَّمْلِ فَلَمْ
تَحْفِظِ الريحُ ولا الرَّمْلُ وَعَى
قد يهون العمر إلا ساعة
وتهون الأرض إلا موضعاً
وموقع جبل التوباد جميل جداً، حيث مدينة الغيل والنخيل وكل ما يحيط بها يذكر بالماضي.
وانتشر جبل التوباد بين الأدباء والمحبين؛ لأنه مكان «وعد الهوى»:
تأخرتَ عن وعد الهوى يا حبيبنا
وما كنتَ عن وعد الهوى تتأخرُ
أحبك لا تفسير عندي لصبوتي
يُفسِّر ماذا والهوى لايُفسّرُ
أجهَشْتُ للتَوبادِ حينَ رَأيْتُهُ
وكبَّرَ للرحمنِ حينَ رآني