د.صالح بن محمد العريني
حدثني أحد الأصدقاء قبل مدة عن تجربة وقعت له أثناء زيارته لأحد المختصين في الطب البديل. يقول: ذكرت لزميلي في العمل عن آلام أعاني منها، مثل آلام في الركبة وكذلك في الرقبة والظهر، فذكر لي أنه قام بزيارة أحد المختصين في طب تقويم العظام أو ما يسمى «بالأوستيوباثي» ونصحني بتجربته، وذكر لي كذلك أحد المراكز الشهيرة بمدينة الرياض. وبالفعل قمت بحجز موعد لديهم (ولم يتسن لي ذلك إلا بعد مدة)، وعندما دخلت للموعد وجاءني المتخصص أو «الاوستيوباث» قمت بسرد مشاكلي له، وكيف أني أعاني من آلام في المفاصل. فطلب مني أن استلقي على ظهري وبعد ذلك قام بوضع أصابع يديه على مقدمة وجهي (على الحاجبين) وأغمض عيناه وسكت برهة من الوقت. يقول صديقي: لم أصدق ما الذي يحدث معي، هل فعلاً هو جاد؟ هل فعلاً أنا عند أحد «بائعي الوهم»، ولولا أن تمالكت نفسي وإلا كدت أن انفجر ضاحكاً. بعد ذلك تكلم وقال: «يوجد لديك شحنة عالية جداً من الإجهاد أو كما قال (ستريس – stress) وهو السبب في جميع المشكلات التي تعاني منها! ثم قام بعد ذلك بوضع أصابعه مرة أخرى في مناطق مختلفة من الجسم (ولم يقم حتى بالكشف عن المناطق التي جئته أشكو منها) وقال لي أن هذا الاجهاد مجتمع في بطنك! وينبغي علينا أن نحرر هذا الإجهاد! ثم قام بوضع أصابعه على منتصف بطني وبدأ بالضغط بشكل مزعج (بل حتى مؤلم) زعماً من عنده أن هذا الإجراء سوف يحرر الاجهاد، واستمر في ذلك لمدة خمس إلى عشر دقائق. وقال لي أعلم أن زيارتك هذه كانت للكشف فقط ولكني قمت بإعطائك جلسة علاجية مجانية ولكنك تحتاج إلى خطة علاجية تتكون من عشر جلسات وذلك لعلاج هذا الإجهاد العصبي. يقول صديقي، لم اقتنع تماما بما فعله هذا «المتخصص» ولكن من باب الفضول رغبت أن أعرف تكلفة العلاج عنده. وكنت أقول في نفسي «إذا كانت قيمة الكشف 300 ريال، ربما تكون قيمة البرنامج العلاجي 3000 ريال» وهذا مبلغ عالٍ جداً، آخذاً بعين الاعتبار ما فعله هذا المتخصص. ولكن عندما سألت عن قيمة البرنامج العلاجي تفاجأت بأنها تربو قيمة العلاج على 10000 ريال!! علماً بأن هذا «المتخصص» جدوله مشغول جداً ولا يستطيع أن يحدد موعداً لي في أي وقت، مما يدل على أنه مزدحم بالمواعيد. انتهت تجربة صديقي هنا، وعندما ذكر لي هذه القصة وجدت نفسي أتساءل عدة تساؤلات، خاصة أن الكثير من أمثال هذا «المتخصص» يسيئون لكثير من الممارسين الصحيين، وأنا أحدهم في تخصص التأيل الطبي.
قام المركز الوطني للطب البديل والتكميلي مشكوراً بتعريف الطب البديل والتكميلي بأنه: «الممارسات التشخيصية والعلاجية والوقائية والتأهيلية التي تستخدم للحفاظ على الصحة لكنها لا تصنف ضمن الطب الحديث» وتحت هذا المسمى «الطب البديل والتكميلي» تم إدراج عدة تخصصات مثل الوخز الإبري، وتقويم العمود الفقري والحجامة (الرطبة والجافة) وكذلك تخصص تقويم العظام، أو كما أشرت سابقاً «الاوستيوباثي»، وهو (كما في دليل مزاولة الطب البديل والتكميلي) ممارسة صحية معنية بالتشخيص والعلاج والوقاية من اضطرابات الجهاز العضلي الهيكلي وآثار هذه الاضطرابات على الصحة العامة. وهناك تركيز على التقنيات اليدوية، بما في ذلك تعديل وتقويم المفاصل. وكما هو ظاهر من التعريف فهو تخصص يعنى بالدرجة الأولى بعلاج اضطرابات الجهاز العضلي الهيكلي بالدرجة الأولى وليس مرتبط «بالستريس»!
وعند الاطلاع على الأدلة واللوائح الخاصة بالمركز الوطني للطب البديل والتكميلي، وكما هي موضحة في موقعهم الإلكتروني بشكل ممتاز، تشترط اللائحة على من يريد التصنيف بتخصص الاوستيوباثي أن يكون حاصلاً على درجة علمية بذات التخصص من أحد المعاهد أو الكليات المعترف بها من وزارة التعليم وكذلك ألا تكون الدراسة عن بعد، كما لا يصح لشخص متخصص في تخصص طبي آخر (على سبيل المثال في العلاج الطبيعي) أن يحصل على دورات عن بعد في مدة وجيزة ومن ثم يدعي أنه متخصص في هذا المجال، وبالتالي هو يسئ لتخصصين في آن واحد. وتخصص الاوستيوباِثي من أكثر التخصصات التي أسئ إليها، حتى في مصدرها أمريكا الشمالية، حيث تنوه الجمعية الكندية لطب الاوستيوباثي «بأن هناك العديد ممن يسمون أنفسهم بهذا التخصص وهم غير معترف بهم إلا إذا كانوا حاصلين على الشهادات المطلوبة في التخصص». وللعلم فإن هذا التخصص من التخصصات التي كثر اللغط فيها، وما زالوا يجدون صعوبة في إثبات فعالية ما يقدمونه من ممارسات اكلينيكية. والفصل هنا في فعالية أساليبهم العلاجية لا يكون في تعدد الآراء ولكن يكون عن طريق الأبحاث العلمية المحكمة والتي لا تنظر للتخصص أو لكاتب البحث، بل للنتائج التي وردت في هذا البحث. والحق أنه ما زال يفتقر هذا التخصص إلى الأبحاث العلمية المحكمة التي تثبت فعاليته.
والتساؤل الذي أرّقني، كيف يأتي شخص متخصص في تخصص اكلينيكي آخر غير الاوستيوباثي (حسب تعريف المركز الوطني للطب البديل والتكميلي) ومن ثم يعرف بنفسه بأنه متخصص في هذا المجال. ربما فعل ذلك حرصاً منه على أن يقال له دكتور؟ أو ربما الهدف مادي فقط؟ وأكبر مشكلة تواجهنا نحن الممارسين الصحيين أنه قد يُساء إلينا جراء مثل هذه الممارسات التي يقومون بها هؤلاء «المختصين»، حيث قد يظن الكثيرون بأن تخصصنا وتخصصهم واحد، حيث إن الكثيرين لا يفرقون بين التخصصات الطبية ويشكل عليهم ذلك. وأختم هذا المقال باستشهاد من بحث نشر عام 2019م في المجلة الأوروبية للأبحاث الطبية، حيث قاموا بمراجعة منهجية للأبحاث المرتبطة بالاوستيوباثي لعلاج الجهاز العصبي اللا إرادي (وهو مرتبط بالإجهاد العصبي)، ووجدوا أن الأغلبية العظمى من الأبحاث لا تدعم طرقهم الاكلينيكية لعلاج الجهاز العصبي اللا إرادي وربما تكون أساليبهم فعالة أكثر مع الاضطرابات العضلية الهيكلية فقط.
** **
- الأستاذ المساعد في كلية التأهيل الطبي، جامعة القصيم